الصفحة 606 من 952

هاذا الحديث فيه أن الله -جل وعلا- إذا أراد بعبده الخير عجَّل له العقوبة في الدنيا. والمراد بالعقوبة أي: إصابته ببعض ما كسب كما قال الله جل وعلا: {وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ} [1] . فالمراد بالعقوبة المصائب التي تنتج عن المعاصي والسيئات؛ لأنه لا يمكن أن تُسمى المصائب التي لا فعل للإنسان فيها عقوبة، يعني: ما لم يكن من الإنسان تسبب فيه فإنه لا يسمى عقوبة إنما يسمى مصيبة، لكن المراد بالعقوبة هنا هو المؤاخذة بالذنب -أو بعضه- في الدنيا.

(( إذا أراد الله بعبده الخير عجَّل له العقوبة في الدنيا ) )يعني: قبل الموت، يُعجل له العقوبة في الدنيا قبل الموت بأن ينزل به من المصائب ما يحصل به تكفير الذنوب، وهاذا إذا صبر، أما إذا تسخط وضجر من هاذه المصيبة فإنه لا تُكفر بها خطاياه، بل تكون زيادة في الإثم والسوء.

قال بعد ذلك: (( وإذا أراد بعبده الشر أمسك عنه بذنبه ) )يعني: لم يؤاخذه بذنبه، بل أمهله، وأخر عقوبته.

قال: (( حتى يوافيه به ) ). أي: حتى يوافيه بذنبه، أو: (( حتى يوافى به يوم القيامة ) )فيؤاخذه عليه، ويحاسبه عليه. وفي هاذا الحديث إثبات إرادة الله -عز وجل- للخير، ولا شك في ذلك، وإثبات إرادة الله -عز وجل- الشر، لكنَّ الشر الذي أضيف إلى الله -عز وجل- هنا ليس في فعله، إنما هو فيما يتعلق بالمخلوق، أما فيما يتعلق بفعل الرب -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- فلا شر فيه، كما قال النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (( والشر ليس إليك ) ). وغالب النصوص لا تضيف الشر إلى الله -عز وجل- صراحةً، إنما تأتي به على وجه عدم ذكر الفاعل، أو عدم ذكر من ينسب إليه.

(1) سورة: الشورى، الآية (30) .

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام