الصفحة 594 من 952

مناسبة هاذا الباب لكتاب التوحيد: أن الصبر على أقدار الله من كمال التوحيد، ومن تمام الإيمان بالله -عز وجل-، فإن من الإيمان بالله -عز وجل- الإيمان بقضائه وقدره، وأنه -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- خالق كل شيء، وأنّه ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن.

أما متعلّق هاذا الباب بما قبله: فأن الأبواب هاذه يبحث فيها المؤلف -رحمه الله- ما يتعلّق بتوحيد أعمال القلوب لله -عز وجل-، ومن تمام توحيد القلب أن يكون صابرًا على أقدار الله، والصبر على أقدار الله لا يكون إلا لمن اعتقد أن ما يصيبه من المصائب فهو من الله جل وعلا، وإذا اعتقد العبد أنَّ كل شيء ينزل به فمن الله، فإنه لن يضجر من قدر الله -عز وجل-، بل سيكون هاذا حاملاً له على الرضا بالقضاء، لكن إذا غاب عنه الأمر، وظنَّ أنَّ غير الله يوصل إليه النفع والضر، فإنه سيوجِّه السخط على من أوصل إليه الضر، ومنع منه الخير، ولذلك كان الصبر على أقدار الله من تمام توحيد العبد. وأقدار الله -عز وجل- التي يُصْبَرُ عليها ما هي؟ هل هي الأقدار الملائمة للطبع، أو الأقدار التي تنافر الطبع؟ الصبر إنما يكون على ما ينافر طبع الإنسان مما يكرهه ولا يطمئن إليه.

أما ما يلتذ به الإنسان ويحبه فإنه لا يقابل بالصبر، إنما يقابل بالشّكر، كما قال النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في حديث صهيب: (( عجبًا لأمر المؤمن! إن أمره كله له خير: إن أصابته سراء ) )-ماذا؟ صبر أم شكر؟ - (( شكر فكان خيرًا له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرًا له ) ). فالصبر إنما يكون على أقدار الله المؤلمة، وإضافة الأقدار في الترجمة إلى الله هو من باب إضافة الأمر إلى من؟ إلى فاعله، يعني: الأقدار التي يقدرها الله جل وعلا.

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام