أما مناسبته للباب الذي قبله: فإنَّه في الباب السابق ذكر المحبة، وما يتعلق بها، ووجوب إفرادها لله سبحانه وتعالى، وقرين المحبة: الخوف؛ لأن الإنسان في سيره إلى الله -جل وعلا- محتاجٌ إلى المحبة التي تنشِّطه إلى عمل الصالحات، والقيام بالطاعات، ومحتاجٌ إلى الخوف الذي يزجره عن ارتكاب الموبقات، وترك المنهيات، فإنه بهاذين يحصل له سلامة السير واستقامة الطريق، فإذا اختل أحد هذين اختل ركنٌ من أركان العمل، وركنٌ من أركان الإيمان، لا يستقيم سير الإنسان إلا بتوافر هاذين: الخوف، والمحبة.
وقدَّم المؤلف -رحمه الله- المحبة لأنها الأصل، وهي الباعثة على كل عمل، ثم أتى بالخوف لأنه المزيل للعوائق، المذهب للعوارض التي تعرض، وتمنع العبد من مواصلة السير في طاعة الله جل وعلا.
وأما الرجاء، فالرجاء ملازم للخوف، فإنه لا يمكن أن يتحقق الخوف الذي أمر الله به ورسوله إلا بالرجاء، ولذلك لم يذكر المؤلف -رحمه الله- في هاذه الأبواب بابًا يتعلق بالرجاء؛ لأنَّ الخوف ملازم للرجاء، فكل راجٍ خائف، وكل خائفٍ راجٍ، وهاذا هو الذي جعل الخوف والرجاء يتبادلان في النصوص، أي يأتي الخوف بمعنى الرجاء، والرجاء بمعنى الخوف، فمن ذلك قول الله جل وعلا: {مَا لَكُمْ لا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَاراً} [1] . فالوقار هنا هو الخوف الحامل على الطاعة المنشِّط على امتثال الأمر، واجتناب النهي. {مَا لَكُمْ لا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَاراً} تَرْجُون: والرجاء هنا بمعنى: الخوف، كما جاء في تفسير جماعة من السلف، أي ما لكم لا تخافون الله.
(1) سورة: نوح، الآية (13) .