الصفحة 505 من 952

ولكن الصحيح أن رواية الجزم ثابتة لا سبيل لردّها، فإذا كانت ثابتة وأيضًا يعضدها آثار أخرى فإنه لا سبيل لقبول هاذا الجواب وهو تغليط الرواة؛ لأن الأصل عدم الغلط.

فيبقى ما الجمع بين الأحاديث التي فيها إثبات الشؤم والأحاديث التي فيها النفي؟

الجواب من عدة أوجه ذكرها العلماء، قبل أن نذكر الأجوبة يجب اعتقاد ما ذكرناه قبل قليل من أنه لا يمكن أن يرد نفي وإثبات على أمر واحد، ما يمكن أن يثبت الشيء النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خبرًا وينفي نفس الخبر؛ لأن هاذا تناقض وتضارب، وخبر الرسول -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ممنوع من الاختلاف، فإذا كان هاذا مقررًا في نفوس أهل الإسلام فالواجب أن يطلبوا حل هاذا بالتوفيق، وهو أن يصدر عن أمر وهو أن ما نفاه خلاف ما أثبته، وهاذا المنهج -يعني في الجمع بين الأمور التي فيها إثبات ونفي- سلكه العلماء وتباينت وتعدّدت الطرق في الجمع، لكن كلهم يرجعون إلى شيء واحد ويصدرون عن مصدر واحد، وهو أن ما نفاه ليس هو الذي أثبته، فما نفاه غير ما أثبته، فقوله: (( لا طيرة ) )غير قوله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (( الشؤم في ثلاثة ) ). ولذلك طلبوا الجمع فقالوا: إن قوله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (( الشؤم في ثلاثة ) )محمول على ما كان يعتقده أهل الجاهلية، خبر عمّا يعتقده أهل الجاهلية من أنّ الشؤم في هاذه الأشياء الثلاثة. وهاذا الجواب ضعيف؛ لأن النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لم يبعث مخبرًا بما يعتقده أهل الجاهلية، إنما بعث مصححاً لعقائدهم مبيناً لما يجب أن يعتقدوه، فلا يصح هاذا الجواب.

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام