الصفحة 435 من 952

{عَلِمُوا} أي علم اليهود الذين {وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُوا الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ} ، {وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ} أي لمن أخذه {مَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ} أي ليس له في الآخرة من نصيب، وهاذه الآية أكد الله -جل وعلا- فيها الحكم المذكور بثلاثة مؤكدات: بالقسم المقدر في قوله: {وَلَقَدْ} ، واللام الموطئة للقسم، وقد، فهاذا كله تأكيد للحكم الذي تضمنته هاذه الآية، وهاذه الآية تفيد أن السحر كفر، لكن من استدل بهاذه الآية على أن جميع أنواع السحر كفر في استدلاله نظر؛ لأن الآية مذكورة في نوع منه، وهو ما تتلوه الشياطين على ملك سليمان، وأما ما عدا ذلك فإن في الاستدلال بهاذه الآية على أنه كفر نظراً، لا سيما وأن السحر ورد إطلاقه على ما ليس بكفر بلا إشكال، كالنميمة فإنه يطلق عليها السحر ولكنها ليست بكفر، وكما أطلق النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على البيان سحرًا فقال: (( إن من البيان لسحرًا ) ). ومعلوم أنه ليس كل بيان كفراً وإن كان يتضمن هاذا البيان قلب الحق باطلاً لكنه قد يكون دون الكفر، فلما كان إطلاق الشارع للسحر على ما ليس كفراً دل ذلك على أنه ليس كل سحر كفراً، وهاذا هو القول الصحيح في الكفر بالسحر: أنه لا يطلق القول بأن السحر كفر في جميع موارده أو في جميع أنواعه، ولذلك المؤلف -رحمه الله- بعد أن أجمل القول في بيان حكم السحر وحكم الساحر ذكر في الباب الذي يليه أنواع السحر، مما يدل على أن السحر ليس على رتبة واحدة في الحكم بالكفر، بل هو متفاوت: فمنه ما يكون كفراً، ومنه ما يكون دون ذلك.

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام