الصفحة 43 من 952

الوجه الرابع: أنه لا خلاف بين الرسول -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وبين من عارضه من المشركين على أنه لا قادر على الصنع ولا خالق إلا الله جل وعلا، لم تكن الخصومة بين النّبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وبين قومه في هاذا الأمر، بل الخصومة كانت في العبادة لا في الخلق، ولو كان معنى لا إلاه إلا الله أي لا صانع ولا قادر على الاختراع إلا الله لما عارضه معارض.

هاذه أربعة أوجه يجاب بها على من قال: إن الإلاه هو الصانع أو الخالق أو القادر.

ثم اعلم أن هاذه الكلمة (لا إلاه إلا الله) جملة تامة، والجملة إما أن تكون اسمية وإما أن تكون فعلية، هاذه الجملة اسمية، إذا قلنا: إنها اسمية فلا بد لها من ركني الجملة المبتدأ والخبر، هاذه الجملة دخل عليها حرف النفي (لا) فنصب (إلاه) اسمًا له، فـ (لا إلاه) : (لا) نافية، (إلاه) اسم (لا) التي تعمل عمل إن مبني على الفتح، (إلا الله) لفظ الجلالة بدلٌ - هاذا أصح ما قيل فيه، بدل- عن الخبر، ولا يصح أن تقع خبرًا؛ لأن من شرط إعمال لا أن تعمل في النكرات، ولفظ الجلالة (الله) أعرفُ المعارف، ولذلك احتاجوا إلى تقدير خبر (لا) ، وأصح ما قيل في تقدير الخبر أنه حق: لا إلاه حقٌّ إلا الله. ودليل هاذا التقدير هو قول الله تعالى: {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ} [1] ، {فذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ الْحَقُّ} [2] . فالله عز وجل وصف نفسه بالحق، وهو -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- الحق وغيره باطل.

ومن العلماء من قدره بموجود، قال: لا إلاه موجود. لكن هاذا التقدير غلط، غلطٌ من جهة المعنى وغلطٌ من حيث الواقع: أما غلطه من جهة المعنى فأنه يلزم أن يكون كل إلاه موجود هو الله وأنه حق، فتقدير موجود غلط من حيث المعنى ومن حيث الواقع.

(1) سورة: الحج، الآية (06) .

(2) سورة: يونس، الآية (32) .

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام