قال -بعد ذكر هاذه الأمور التي يَجِلُ منها القلب ويخاف منها الإنسان على الشريعة الاندراس والعفو والزوال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (( ولا تزال طائفة من أمتي على الحق منصورة، لا يضرهم من خذلهم حتى يأتي أمر الله -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- ) ). وهاذا فيه البشارة للأمة، وفيه تصديق ما أخبر الله -جل وعلا- به من أن هاذه الأمة محفوظ كتابها، وأن هاذه الأمة محفوظ شرعها ودينها، قال الله عز وجل: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [1] . فالله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- تكفل بحفظ هاذه الشريعة وهاذا الكتاب المبين الذي هو مصدر التشريع لهاذه الأمة، حفظه -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- من الزوال، وحفظه من التبديل والتغيير والتحريف الذي يزول به الحق.
جرى على الكتاب تبديل وتحريف كغيره من الكتب، لكن الذي امتاز به القرآن أن التبديل والتغيير لم يتطرق إلى ألفاظه، وأن معانيه محفوظة بحفظ هاذه الألفاظ.
(( ولا تزال طائفة من أمتي ) )والمقصود بالأمة هنا أمة الإجابة وأمة الاتباع، وهم أخص من أمة الإجابة، (( على الحق منصورة ) )أي متمكنين من الحق، لذلك قال: (( على الحق ) )، والعلو يقتضي التمكن والقرار، على الحق منصورة فهم منصورون، (( لا يضرهم من خذلهم ) )وفي الحديث الآخر قال -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (( على الحق ظاهرين ) )وهاذا بيان لمعنى النصر وهو الظهور والعلو، وأنه لا تزال طائفة من أمة محمد -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ظاهرين مقيمين الحجة على الخلق وعلى أهل الزمان، فلا يخلو زمان من الأزمان من قائم لله بالحجة.
(( لا يضرهم من خذلهم ) )وهاذا يدل على أن هناك من يخذلهم ويسعى في إضعافهم وإذهاب ظهورهم ونصرهم، لكن هاذا لا يضرهم، فنصرهم ثابت وظهورهم مؤكد ومستقر لا يضره كيد كائد ولا خذلان خاذل.
(1) سورة: الحجر، الآية (09) .