الصفحة 38 من 952

والظلم أصله وضع الشيء في غير موضعه، هاذا أصله في اللغة، ولا شك أن من يصرف العبادة لغير الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- فقد وضعها في غير موضعها وصرفها إلى غير مستحقها، وهاذا من أعظم الظلم والجور؛ لأنه تعطيل لغاية الوجود، وإنكار لأعظم من تفضّل على العبد وجاد، فإنّه ما بالإنسان من نعمة إلا من الله جل وعلا، وحق هاذه النعمة أن تشكر، وشكرها بإفراد الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- بالعبادة، ولذلك يطلق الله جل وعلا الشكر في عدة مواضع بمعنى العبادة، كقوله تعالى: {وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ} [1] . فالعبادة حقه الذي لا يجوز أن يُصرف لغيره، حقه لأن الله -جل وعلا- جعل غاية الخلق لذلك، وحقه من جهة أخرى أنه أمدنا بالنعم وأنعم علينا بألوان المنن، وهاذا يستوجب أن يفرد بالشكر -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى-، وعلى هاذا يكون معنى الآية: الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بشرك، وهاذا التفسير تفسير النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. {أُولَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ} أي: الأمن المطلق التام، أي: ولهم الهداية التامة.

واعلم أن هاذه الآية كما فسرها النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ظاهرة.

خالف في معنى الظلم في هاذه الآية المعتزلة فقالوا: إن الظلم هنا هو المعاصي، فقالوا: إن المعصية تنفي الأمن والاهتداء، وعليه فإن من عصى خرج من الإيمان.

(1) سورة: سبأ، الاية (13) .

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام