والإيمان: اسم للعبادات الظاهرة والباطنة، فيشمل عبادة القلب وعبادة اللسان وعبادة الجوارح. {الَّذِينَ آمَنُوا} ، ثم أضاف قيدًا آخر فقال: {وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ} أي: لم يخلطوا إيمانهم بظلم {لَمْ يَلْبِسُوا .. } يعني: لم يخلطوا إيمانهم بظلم، هؤلاء ما الخبر عنهم وما هو حالهم؟ أولئك الذين قال الله جل وعلا عنهم في الآية: {أُولَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ} . فلهم فضيلتان مقابل هاذين العملين، العملان هما: تحقيق التوحيد، والبراءة من كل ما يضاده، وأول وأعظم وأهم ما يضاده الشرك. والفضل المرتب على هذين هو: الأمن والاهتداء، فلهم الأمن التام ولهم الاهتداء التام، لما كملوا الإيمان وسلموا من الشرك. والإيمان هنا ذكرنا أنه اسم لجميع ما أمر الله به من العبادات الظاهرة والعبادات الباطنة.
وقوله: {وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ} المراد به ما فسرها به النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وبينه، وإذا جاء التفسير عن النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فلا معدل عنه، فإنّ ابن مسعود -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قال لما نزلت هاذه الآية: شق على أصحاب النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ما فيها، فجاؤوا فقالوا: يا رسول الله! أينا لم يظلم نفسه؟ لأن الآية فيها إطلاق الظلم، ففهم الصحابة أن الأمن والاهتداء لمن سلم من الظلم كله دقيقه وجليله، صغيره وكبيره. فقال النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مطمئنًا لهؤلاء: (( إنه ليس كما تظنون، إنما هو قول لقمان لابنه: {إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ(13) } [1] ). ففسر النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الآية بأعظم الظلم وهو الظلم بالشرك.
(1) سورة: لقمان، الآية (13) .