لكن أقوى هاذه المعاني وأبلغها هو أن تكون مصدرية؛ لأن المصدرية تفيد أن التّوحيد يكفر جميع الذنوب، وهاذا هو الواقع، فإن التوحيد يكفر جميع الذنوب ويحط جميع الخطايا، كما دلّ عليه حديث أنس الذي ذكره المصنف في آخر هاذا الباب في الحديث الإلهي: (( قال الله تعالى: يا ابن آدم! لو أتيتني بقراب الأرض خطايا، ثم لقيتني لا تشرك بي شيئًا لأتيتك بقرابها مغفرة ) ).
وهاذا واضح في أنّ التوحيد تتلاشى بجانبه الذنوب. ويشهد له أيضًا حديث صاحب البطاقة فإنه يؤتى ببطاقة فيها: لا إلاه إلا الله، فتوضع في كفة، ويوضع في الكفة الأخرى تسعة وتسعون سجلاً، كل سجل مد البصر من الخطايا والذنوب، فإذا وضعت لا إلاه إلا الله في الكفة المقابلة طاشت تلك الصحف. [1] وهاذا يبين بيانًا واضحًا أن التوحيد يكفر الذنوب وتتلاشى معه الخطايا، وهو فضل عظيم، فأفضل ما قيل في (ما) أنها مصدرية؛ لأنها تطابق ما دلت عليه الآثار من أن التوحيد يكفر الذنوب.
وقوله: (ما يكفر من الذنوب.)
(الذنوب) جمع ذنب وهي الخطايا، وهاذا يشمل -فيما يظهر- حق الله وحق الخلق، لكن أخرجت النصوص حق الخلق، ولعلّ الله -عز وجل- إذا علم من عبده صدق التوحيد يتحمّل عنه، ولكن الأصل أن الذنوب التي هي حقوق العباد ليست تحت المغفرة إلا إن أسقطها أهلها وأصحابها، وقد يغفرها الله، وليس معنى غفرانها أنها تذهب كحقوق الله بلا مقابل، بل يعوض الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- أصحاب الحقوق عن هاذه الحقوق، فيتحمل الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- عن المخطئ، ولكن الأصل أنها لا تغفر إلا بوضعها من أهلها أو رد مقابلها إليهم.
(1) سنن الترمذي: كتاب الإيمان، باب ما جاء فيمن يموت وهو يشهد أن لا إلاه إلا الله، حديث رقم (2639) .
سنن ابن ماجه: كتاب الزهد، باب ما يرجى من رحمة الله يوم القيامة، حديث رقم (4300)
قال الشيخ الألباني: صحيح.