يقول: (فيسجد لربه ويحمده، لا يبدأ بالشفاعة أولاً.) وهاذا فيه أن الشفاعة ليست حقّاً للشافع، إنما هي أمر يتوسل إلى الله -عز وجل- في تحصيله، فلا بد من الإذن، لا يبدأ بالشفاعة أولاً، ثم يقال له -أي: يقال للنبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (ارفع رأسك، وقل يسمع، وسل تعط، واشفع تشفع.) فيؤذن له في الشفاعة.
والأحاديث التي ذكرت الشفاعة في الصحيحين تطوي ذكر الشفاعة العظمى وتنتقل مباشرة إلى ذكر شفاعة النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في أمته، والسبب في هاذا أن الشفاعة العظمى لا ينكرها المنكرون ممن أنكر الشفاعة، ولم يكن فيها خلاف، إنما الخلاف في شفاعة النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لأهل الكبائر من أمته، هاذه الشفاعة هي التي وقع الخلاف فيها بين أهل السنة والوعيدية وغالية المرجئة، فالشفاعة ثابتة لأهل الكبائر؛ ولذلك اهتم بها نقلة الأحاديث، ولم يذكروا شفاعة النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في أهل الموقف، مع أن السؤال جاء من أهل الموقف، فالجواب على هاذا الإشكال: أن الرواة طووا ذكر الشفاعة العظمى -وهي شفاعته -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في أهل الموقف- لكونه لم يقع فيها خلاف، وأما التي وقع فيها الخلاف فذكروها ورووها بالتفصيل.
ثم قال رحمه الله: وقال أبو هريرة. وهاذا الحديث فيه إثبات الشفاعة، الشفاعة العظمى للنبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وفيه أيضًا إثبات الشفاعة الخاصة به وهي شفاعته في أمته. وشفاعات النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ست:
منها ثلاث خاصة به، وثلاث له ولغيره.
أما الخاصة به: فهي شفاعته في أهل الموقف أن يأتي الله -جل وعلا- لفصل القضاء.
والثانية: شفاعته في عمه أبي طالب أن يخفف عنه من عذاب النار.
والثالثة: شفاعته في دخول أهل الجنةِ الجنةَ. هاذه الشفاعات الثلاث الخاصة بالنبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.