فانتفى عنهم سبب من أسباب الشفاعة؛ لأن الذي يشفع وينفع إنما يكون كذلك بمسوغ ومبرر: إمَّا أن يكون ملكًا أو مالكًا لشيء من هاذه الأشياء التي يطلُبُ الشفاعة فيها، وهو ليس له ملك. {قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ لا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلا فِي الأَرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِنْ شِرْكٍ} . فبعد أن نفى الملك الخاص المستقل نفى الشركة، فالشركة أيضًا منفية عنهم، فليس لهم في ملك السماوات والأرض شركة حتى تدعوهم وتعبدوهم وتصرفوا لهم العبادة.
{وَمَا لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ} . هاذا ثالث ما نفته الآية، وهو الإعانة، فالله -عز وجل- نفى الإعانة منهم، فليس لهم عون ولا معاونة يستوجبون بها صرف العبادة.
ثم بعد أن نفى هاذه الأمور الثلاثة: الملك والشركة والمعاونة في الخلق، بقيت الشفاعة، فقال -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى-: {وَلا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ إِلا لِمَنْ أَذِنَ لَه} . ثم بيَّن أن هاذا الإذن ليس إذن ند لنده ولا نظير لنظيره، بل هو طلب العبد المخلوق الذليل الضعيف الإذن من الرب جل وعلا الكبير المتعال، فقال:
{حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ} . وهاذا بيان حال الشافع وأنه في منتهى الذل، فإذا تكلم الرب -جل وعلا-كانت هاذه حاله، فكيف يرجى منه ما يغضب الله -جل وعلا-، وهو أن يشفع الشفاعة الشركية؟
وهاذه الآية كما قال غير واحد من أهل العلم: قطعت عروق الشرك، فقد قطعت أسبابه وحسمت مادته، فلم يبق للمشركين ما يتعلقون به أو يركنون إليه، فإن الله نفى الملك عن غيره ونفى الشركة ونفى المعاونة، وبيَّن أن الشفاعة لا تكون إلا بإذنه.
وقد تقدم أن الشفاعة لا تكون إلا لمن رضيه --سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى--، والله -جل وعلا- لا يرضى إلا من حقق التوحيد.