واعلم أن إثبات حق الله على عباده لا خلاف فيه بين أهل القبلة، فالجميع يثبت حق الله على عباده، وأما حق العباد على الله فهاذا اختلف فيه أهل القبلة على ثلاثة أقوال:
القول الأول: قول المعتزلة، وهو: أن على الله حقوقًا لعباده، لكن هاذه الحقوق تثبت بالعقل والقياس والاعتبار والنظر. وهاذا قول مجانب للصواب، لماذا؟ لقوله: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [1] فهو لا يقاس بعباده -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى-، {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} فيما يجب له وفيما يمتنع عليه وفيما يجوز عليه، فالله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} لا يقاس بعباده في شيء من الأشياء، ولذلك إثبات الحق بالعقل بناء على القياس، فهم يقيسون ما يجب عقلاً بين الخلق، ويقولون: يجب على الخالق أن يفعل كذا وألا يفعل كذا. وهاذا مردود.
القول الثاني: قول من يقول: لا يجب عليه حق بالكلية، وإنما نعرف ما يفعل من خبره وما يقع. وهؤلاء هم الأشاعرة.
القسم الثالث: هم أهل السنة والجماعة - جعلنا الله وإياكم منهم - الفرقة الناجية قالوا: نثبت ما أثبته الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- على نفسه من الحقوق، وليس للعقل مجال في إثبات ما لم يرد في النص، بل نقتصر في ذلك على ما دلّت عليه النصوص، هاذا من جهة؛ أيضًا من جهة أخرى يقولون: هاذا الحق الذي نثبته، هاذا الاستحقاق هو استحقاق إنعام وفضل لا استحقاق مقابلة، فإن الله -عز وجل- أوجب على نفسه ذلك تكرمًا منه وإحسانًا بالخلق، ولذلك قال الناظم:
ما للعباد عليه حق واجب ... كلا ولا سعي لديه ضائع ... إن عذبوا فبعدله أو نُعِّموا ... بفضله فهو الكريم الواسع
إن عذبوا فبعدله أو نعموا ... فبفضله وهو الكريم الواسع
(1) سورة: الشورى، الآية (11) .