ولذلك لما يسأل الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- أهل الجنة: (( إن لكم موعداً يريد أن ينجزكموه. فيقولون: ألم يبيض وجوهنا؟ ألم يدخلنا الجنة؟ ألم يجرنا من النار؟ ) ). [1] فالنجاة من العذاب منّة تذكر، فقوله في هاذا الحديث: (( ألا يعذب من لا يشرك به شيئًا ) ). يتضمّن الأمن من العذاب ودخول الجنة، لكنّه اهتم في السياق بذكر الأمن من العذاب؛ لأن الذي أمن من العذاب فمآله النعيم والجنة.
لكن من الذي يأمن من العذاب؟ من لا يشرك به شيئًا، سواءٌ كان شركًا أصغر أو شركًا أكبر؛ لقوله: (( شيئًا ) )وهو نكرة في سياق النفي. واعلم أن العذاب مختلف باعتبار الشرك، فالشرك الأكبر عذابه دائم لا انقطاع له: {إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ} [2] . وأما الشرك الأصغر فيحاسب عليه صاحبه ويذوق من العذاب ما يقابله، ثم بعد ذلك مآله إلى الجنة. فقوله: (( لا يعذب من لا يشرك به شيئًا ) ). هنا نفي أصل العذاب بنوعيه العذاب الأكبر والأصغر، العذاب الدائم والعذاب المنقطع.
(1) مسلم: كتاب الإيمان، باب إثبات رؤية المؤمنين في الآخرة ربَّهم سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، حديث رقم (181) .
(2) سورة: المائدة، الآية (72) .