وقوله: (بغير الله) . يشمل الاستعاذة بالملائكة، والاستعاذة بالجن، والاستعاذة بالصالحين والأولياء والأنبياء، ويشمل كل ما يستعيذ به الناس في دفع الشر عنهم، كل هاذا لا يجوز؛ لأن الأصل في الاستعاذة أنها حق لله تعالى. لكن ينبغي أن نعلم أن الاستعاذة التي هي حق لله عز وجل هي الاستعاذة المطلقة، أما الاستعاذة المقيدة، وهي: ما كان في مقدور الإنسان الحي الحاضر فإنها ليست من الشرك، سواءٌ أكانت بلفظ الاستعاذة أم بلفظ الاستعانة أم بلفظ الاستغاثة، لا حرج في ذلك.
ومنه قول النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم في خبر الدجال في صحيح مسلم: (( فمن وجد ملجأً أو مَعَاذًا فليعذ به ) ). فدل ذلك على أن الاستعاذة التي في مقدور الإنسان لا تكون من الشرك، وهاذا أمر مجمع عليه ولا خلاف فيه بين أهل العلم، فتنبه! إذ إن كلامنا في قول المؤلف رحمه الله: (من الشرك الاستعاذة بغير الله) ، هي الاستعاذة المطلقة، ويندرج تحتها صور:
1 -الاستعاذة بالمخلوق فيما لا يقدر عليه إلا الخالق، مثل: طلب النصر، وطلب هداية القلوب، وطلب مغفرة الذنوب، وما أشبه ذلك مما لا يقدر عليه إلا الله، فهاذا سؤاله من المخلوق والاستعاذة بالمخلوق فيه من الشرك الأكبر.
2 -ومما يدخل في قول المؤلف رحمه الله: (من الشرك الاستعاذة بغير الله) ، الاستعاذة بالأنبياء والصالحين الميتين، فإن هاذا من الشرك.
3 -ومثله أيضًا الاستعاذة بالحي الغائب.
4 -ومثله أيضًا الاستعاذة بالحي ولو كان حاضرًا فيما لا يقدر عليه إلا الله.
كل هاذه الصور تدخل في قول المؤلف رحمه الله: (من الشرك الاستعاذة بغير الله) . والذي يسلم من أنواع الاستعاذة من أن يكون شركًا هو الاستعاذة بالمخلوق الحاضر الحي فيما يقدر عليه.
بعد هاذا ذكر المؤلف -رحمه الله- في هاذا الباب آية وحديثًا.