هاذا الباب مناسبته لكتاب التوحيد ظاهرة، فإن الاستعاذة هي طلب العوذ، والعوذ هو طلب الحماية والحفظ، فيكون معنى الاستعاذة طلب الحماية والحفظ. والحماية -والحفظ- المطلقة التامة إنما تكون من الله تعالى، وإذا كانت كذلك فإن طلبها من غير الله تعالى يكون من الشرك الذي يقدح في توحيد صاحبه. لم يبين المؤلف -رحمه الله- من أي أنواع الشرك، لكن ترك بيان ذلك لظهوره ووضوحه، فإن الاستعاذة نوع دعاء، الاستعاذة في الحقيقة دعاء خاص وهو دعاء الحماية والحفظ، ويكون في طلب دفع الشر قبل وقوعه، وكذلك يكون في طلب رفعه بعد وقوعه، فإذا كان دعاءً فصرفه لغير الله شرك أكبر أم أصغر؟
شرك أكبر؛ لأن الدعاء لله وحده كما تقدمت الأدلة على ذلك، وكما سيأتي إن شاء الله تعالى في الباب الذي بعده.
المهم أن قوله: (من الشرك) أي: من الشرك الأكبر، وعرفنا معنى الاستعاذة وأنها تكون في دفع الشر وفي رفعه. أما في دفعه فكقول القائل: أعوذ بالله العظيم، وسلطانه القديم، من شر الشيطان الرجيم. وكتعويذ النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من عَوَّذه من الناس، كتعويذه الحسن والحسين، وكقوله: من نزل منزلاً فقال: (( أعوذ بكلمات الله التامات ) ). هاذا طلب دفع الشر قبل وقوعه. ويكون أيضاً في طلب رفعه بعد وقوعه، وهاذا ينازع فيه بعض أهل العلم ويقول: إن الاستعاذة لا تكون في الشر بعد وقوعه، إنما تكون في الشر قبل وقوعه.
والصحيح أنها تكون في الأمرين، دليل ذلك أن النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: (( إذا وجد أحدكم شيئاً فليضع يده على موضع الألم وليقل: أعوذ بعزة الله العظيم وقدرته من شر ما أجد وأحاذر ) ). وهاذه استعاذة من شر أمر نازل أو أمر متوقع؟ من أمر نازل، فهاذا دليل على أن الاستعاذة تكون من أمر نازل أي واقع، وتكون من الأمر الذي يخشى ويخاف وقوعه.