وقوله: {وَمَا أَنفَقْتُم مِّن نَّفَقَةٍ أَوْ نَذَرْتُم مِّن نَّذْرٍ فَإِنَّ اللّهَ يَعْلَمُهُ} . وهاذا فيه الإشارة إلى (وجوب الوفاء بالنذر) ، وذلك في قوله: {أَوْ نَذَرْتُم مِّن نَّذْرٍ فَإِنَّ اللّهَ يَعْلَمُهُ} . فقول الله: {فَإِنَّ اللّهَ يَعْلَمُهُ} ما فائدة ذكر العلم هنا؟ هي المجازاة على فعله والمعاقبة على تركه، وإلا فمعلوم أن الله تعالى يعلم من الإنسان كل ما يكون منه، فالله عز وجل بكل شيء عليم، لكن لما خص ذلك في هاذه الآية دل على أن المقصود حصول المجازاة بفعل ما تقدم وحصول المعاقبة بترك ما تقدم. والشاهد في الآيتين للباب إثبات أن النذر عبادة، وإذا ثبت أنه عبادة دل على ما ترجم له المصنف في قوله: (باب من الشرك النذر لغير الله) ؛ لأنه لو قال قائل: الآية ليس فيها أنه من صرف النذر لغير الله فقد أشرك، فكيف الجواب؟
الجواب: أن الآيات تفيد أن النذر والوفاء به عبادة، وإذا كان عبادة فإن صرف العبادة لغير الله حكمه الشرك، وصرفه لله عز وجل توحيد وطاعة.
ثم قال: (وفي الصحيح عن عائشة -رَضِيَ اللهُ عَنْها- أن رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال:(( من نذر أن يطيع الله فليطعه، ومن نذر أن يعصي الله فلا يعصه ) ).)
(( من نذر أن يطيع الله ) ). وهاذه تشمل جميع ما أمر الله به ورسوله. فـ (( من نذر أن يطيع الله ) )يعني: أن يقوم بما أمر الله به ورسوله على وجه الوجوب أو على وجه الاستحباب، فإنه يلزمه الوفاء بما نذر. فمن نذر أن يصلي الفجر يجب عليه أن يصلي الفجر أو لا؟ يجب عليه في أصل الشرع؛ لأن الله فرضها على جميع الناس، ويجب عليه أيضًا وجوباً زائداً؛ وفاءً بنذره والتزامه. من نذر أن يتصدق، يعطي المساكين من غير الزكاة، هاذا نذر وفعله مستحب في الأصل، لكنه ينتقل إلى الوجوب بنذره؛ لقوله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (( من نذر أن يطيع الله فليطعه ) ).