أيضًا في هاذه الآية أمر الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- بعبادته وحده فقال: {وَاعْبُدُوا اللَّهَ} . ثم أكّد انفراده بالعبادة وأنها لا تكون لغيره بقوله: {وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا} ، وهاذا نهي عن الشرك بجميع صوره؛ لأن قوله: {شَيْئًا} نكرة في سياق النهي، والنّكرة في سياق النهي تُفيد العموم، فيشمل الشرك الأصغر والأكبر، ويشمل الشرك الفعلي والقولي والقلبي، ويشمل الشرك بمن له جاه ومنزلة عند رب العالمين وبمن ليس كذلك، ويشمل الشرك بالأحياء والأموات والجوامد. المهم أنه نهيٌ عن جميع صور الشرك؛ لأن قوله: {شَيْئًا} نكرة في سياق النفي، وفائدة هاذه الآية زيادة على ما تقدم في قوله: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلا تَعْبُدُوا إِلا إِيَّاهُ} أن التوحيد هو أمره؛ فكما أنه قضاؤه -وقضاؤه ملزم- إلا أنه لم يكتف بذلك -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى-، بل صرح بالأمر به، فكان التوحيد غاية الوجود، وهو أيضًا دعوة الرّسل، وهو أيضا قضاء رب العالمين، وهو أمره جل وعلا.
ثم قال رحمه الله: (وقوله: {قَلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا} .)