ومقصود المؤلف - رحمه الله - من سياق هاذه الآية بيان أن الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- قضى وحكم وقدر شرعًا ألا يُعبد إلا هو -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى-، فكما أنه -سبحانه- خلق الخلق لعبادته وأرسل الرسل للدعوة إلى عبادته وحده لا شريك له فإنه -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- قضى شرعًا ألا يُعبد إلا هو، فمن عبد غيره فإنه قد خالف حكم الله الشرعي.
وقوله: {أَلا تَعْبُدُوا إِلا إِيَّاهُ} المراد بالعبادة هنا جميع ما أمر الله به من العبادات الواجبة والمستحبة الظاهرة والباطنة، وهو اسم لكمال المحبة وكمال الذّل والتعظيم لله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- كما تقدّم. ولاحظ في هاذا الموضع كما في سائر المواضع التي فيها تقرير التوحيد أنه يأتي بصيغة الحصر، وصيغ الحصر متنوِّعة، هنا أتى بصيغة النّفي والإثبات وهي من أقوى صيغ الحصر، والحصر إما أن يكون بصيغة لفظية أو بأمر معنوي، فالذي في قوله تعالى: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} . الحصر هنا معنوي؛ لأنه لما أمر بعبادته وأمر باجتناب الطاغوت عُلم بأنه أمر بعبادته وحده لا شريك له.
ثم بعد أن فرغ من ذكر حقه -جل وعلا- ذكر أعظم الحقوق بعد حقه وهو حق الوالدين، فقال سبحانه: {وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا} . والذي يهمنا هنا في هاذه الآية فيما يتعلق بدرسنا القضاء الأول، وهو قضاء الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- على عباده بالتوحيد وإفراده بالعبادة.
ثم قال رحمه الله: (وقوله تعالى: {وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا} .)