فالله في هاذه الآية أمر المؤمنين باجتناب الطاغوت وكل شيء يحملهم على الطغيان والخروج عن حد العبودية، ولذا قال ابن القيم في تعريف الطاغوت: ما تجاوز به العبد حده، أي ما حده له الشرع من معبود أو متبوع أو مطاع، كل هاذه التعريفات تصب في معنى واحد.
والخلاصة: أن الشيخ ساق هاذه الآية لبيان اتفاق الرسل على دعوة التوحيد، وأنهم جاؤوا يدعون الناس إلى عبادة الله وحده وترك عبادة غيره.
ثم قال - رحمه الله: (وقوله: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلا تَعْبُدُوا إِلا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا} [1] .) في هاذه الآية يُخبر الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- رسوله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بقضاءٍ قضاه وهو ما بينه في قوله: {أَلا تَعْبُدُوا إِلا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا .. } . إنما الشاهد في قوله: {أَلا تَعْبُدُوا إِلا إِيَّاهُ} . وقضاء الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- نوعان: قضاء كوني قدري، وقضاء شرعي ديني. هاذا الذي في الآية هو من النوع الثاني، من القضاء الشرعي الأمري الديني، أي ما يتعلق بما يحبه الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى-، أما النوع الثاني وهو القضاء الكوني فذاك ما قدره وقضاه كونًا وهو لا يتعلق بمحبته، بل يتعلق بحكمته -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى-، ومنه ما ذكره الله في كتابه في سورة الإسراء: {وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إِسْرائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا} [2] . ومعلوم أن الفساد في الأرض مما يبغضه الله ويكرهه، فالقضاء في ذلك الموضع هو القضاء الكوني القدري.
(1) سورة: الإسراء، الآية (23) .
(2) سورة: الإسراء، الآية (4) .