أما الآية فقال رحمه الله: (وقول الله تعالى: {أَفَرَأَيْتُمُ اللاتَ وَالْعُزَّى(19) وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الأُخْرَى} [1] .) {أَفَرَأَيْتُمُ} هاذا استفهام، الهمزة للاستفهام، والاستفهام هنا للتعجيب والإنكار من حال هؤلاء الذين سووا هاذه المعبودات من الأصنام بالله رب العالمين وبعباده الصالحين، فإن الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- ذكر في أول السورة التي ذُكرت فيها هاذه الآية ما له من كمال وما يجب له من تعظيم، وذكر ملائكته وذكر رسوله البشري وهو محمد -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وما خصّه الله به، ثم بعد أن فرغ من ذكر ذلك كله جاء الخبر فيما يتعلّق بما يعبده أهل الجاهلية من الأصنام، فذكر ثلاثة من أعظم أصنامهم ومن أعظم معبودات العرب: {اللاتَ} وكانت الصنم المعظم عند ثقيف، {وَالْعُزَّى} وكانت الصنم المعظم عند قريش، {وَمَنَاةَ} وكانت الصنم المعظم لأهل المدينة، وكانت هاذه الأصنام تتفق العرب على تعظيمها، وإن كان كل واحد منها تختص به طائفة أو جهة من الجهات، وأعظم هاذه الثلاثة مناة، ولذلك خصه بالوصف دون غيره فوصفه بوصفين: {الثَّالِثَةَ الأُخْرَى} وذلك لكونه أعظم هاذه المعبودات من الأصنام في ذلك الوقت، أما اللات والعزى فلم يصفهما هنا بوصف: {أَفَرَأَيْتُمُ اللاتَ وَالْعُزَّى} ثم قال: {وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الأُخْرَى} فوصفها بوصفين يدلان على تخصيصِها، وتخصيصُها وجهُه أنه مما اتفق العرب على تعظيمه تعظيمًا زائدًا على الصنمين السّابقين.
(1) سورة: النجم الآيات (19 - 20) .