وشطرا الحكم الكلي: الأثر، والمؤثر.
فالمؤثر: هو معرفات الحكم من السبب والشرط والمانع، وهي التي يطلق عليها: الحكم الوضعي.
والأثر: هو الحكم التكليفي من الوجوب والحرمة والإباحة ... الخ، فكأنه قيل: إذا حدث كذا وكذا سوف يحكم بكذا وكذا.
وهذا الأمر ـ تحليل الحكم الكلي إلى شطرين ـ مما ينبغي العناية به واستحضاره عند تنزيل الأحكام على الوقائع بالمطابقة بين الحكم الكلي والواقعة قضائية كانت أم فتوية ..
والحكم الكلي عام ومجرد، والمراد بالعموم: عموم الحكم الكلي لكل الأشخاص والأزمان والوقائع التي تندرج تحته فهو عام للمكلفين، فلا يخص شخصا أو واقعة بعينها، وإنما كان كذلك حتى يشمل صورا كثيرة غير متناهية مما يدخل تحته.
أما التجريد: فيعني افتراض الحكم الكلي عند تقريره منزلا في الأذهان مجردا عن الأشخاص والأعيان بذواتهم، وإنما يربط الحكم بالأشخاص والوقائع والنوازل بصفاتها المحددة، لا بذواتها وأشخاصها، بل للمعاني القائمة بها مهما اختلفت زمانا أو مكانا، وإنما يجري تشخيص الأحكام الكلية على الأعيان والصور والأشخاص والوقائع عند تطبيقها وتنزيلها على الوقائع المعينة، والقاضي أو المفتي عند هذا التنزيل يكون قد شخّص ووصف هذه الواقعة أو هذه الصورة أو هذا الشخص المعين بهذا الحكم الكلي العام، فصار منزلا على الأعيان بدلا من افتراضه في الأذهان.
لذلك وجب التنبه إلى الفرق بين الحكم المجرد والحكم عند إرادة تنزيله على واقعة مقترنا بشروطه وموانعه بعد توفر السبب ..
يقول ابن القيم رحمه الله ـ مبينا عاقبة الغلط في فهم حدود كلام الله ورسوله ـ:(فإنه يتضمن محذورين:
أحدهما: أن يخرج من كلامه ما قصد دخوله فيه. والثاني: أن يشرع لذلك النوع الذي أخرج حكما غير حكمه، فيكون تغييرا لألفاظ الشارع ومعانيه، فإنه إذا سمى ذلك النوع بغير الاسم الذي سماه به الشارع، أزال عنه حكم ذلك المسمى، وأعطاه حكما آخر) [زاد المعاد: 5/ 747 - 748] .