44 -لِأَسْعَدَ بِالْفَوْزِ الْمُبِينِ مُسَابِقاً * * * إِلَى جَنَّةِ الْفِرْدَوْسِ فِي صَالِحِ الزُّمَرْ
لِأَسْعَدَ بِالْفَوْزِ الْمُبِينِ؛ بأن يكون سعيدا بالفوز المبين، وهو البين الواضح بالنجاة من النار، ودخول الجنة، كما قال سبحانه: {مَنْ يُصْرَفْ عَنْهُ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمَهُ وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْمُبِينُ} . (الأنعام: 16) ، وقال سبحانه: {فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَيُدْخِلُهُمْ رَبُّهُمْ فِي رَحْمَتِهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْمُبِينُ} . (الجاثية: 30) ، وفي الآيتين دليل على أن الفوز المبين لا يكون إلا بالنجاة من النار، ودخول الجنة، اللهم اجعلنا من أهل الجنة، الفائزين بها، والناجين من النار، يجمع ذلك قوله سبحانه: {فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ} . (آل عمران: 185)
وقوله: مُسَابِقاً إِلَى جَنَّةِ الْفِرْدَوْسِ؛ هنا إشارة إلى أن نيل الفوز المبين يتطلب من العبد المسابقة، يتطلب منه جدا واجتهادا، وعملا ومثابرة، وذلك بإصلاح وصلاح الاعتقاد وحسن العمل، ليفوز فوزا مبينا، وليكون من أهل الجنة في الفردوس فِي صَالِحِ الزُّمَرْ، {وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ * وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاءُ فَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ} . (الزمر: 73، 74) ، ونسأل الله أن يكرمنا وإياه وسائر المسلمين بذلك بمنه وكرمه.
وقال الزنجاني رحمه الله في تعليقه على هذين البيتين، فقد جاء بإسناده عن شيخه عن شيخ شيخه حتى وصل إلى منصور بن المعتمر السلمي يقول: [كان بيني وبين علي بن الحسين بن أبي طالب رضي الله عنه قال: إخاء واجتماع ومودة في طلب العلم، ومذاكرته وقت كنا شبابا بالكوفة، فلما جرى عليهم من قدر الله ما جرى، ورجعوا إلى المدينة وأتأسفُ على فراقه، ولا طريق إلى قصده للفتن المشتبكة، فلما كانت سنة تسعين من الهجرة سنحت لي نية في الحج وتجهزت، وخرجت في القافلة، ووصلنا إلى عرفة مراهقين] ، يعني خرجوا في سن البلوغ، [وأخذنا في أمر الحج، حتى فرغنا من نسكنا، وقضينا تفثنا، وخرجنا إلى مكة، وليس لي همٌّ إلا السؤال عن علي بن الحسين، والطريق إلى رؤيته، فقيل لي: (إنه حاجٌّ) فانسدلت إلى منزله، فدللت عليه فاستأذنت فأذن لي، فدخلت فإذا ابنه أبو جعفر محمد بن علي قاعد في جماعة يذاكره، فقام إلي، فاستقبلني في الركب، واقعدني إلى جنبه، وفاوضني الحديث، والشيخ في صُفَّة يصلي في مصلى له، فتذاكرنا حتى إذا أفضى بنا الحديث إلى أن انتسبت له، وذكرت ما كان بيني وبين والده من الأنس، فزاد في إكرامي وقال: (أما إنه كثير الذكر لك) ، وقام إليه في الفور، فعرفه بمقدمه فانسدل من صلاته، وقمنا كلنا إليه فبكى، وتذكر الأيام التي سلفت لنا، وجعل يسألني يحفي في السؤال، أي الإلحاح والشدة في السؤال، ويحفي في السؤال عن أحوالي، وأحوال من كان يجتمع بنا ومعنا، وطال ذلك، ورأيت أن همه في الصلاة، فقلت: (يرجع سيدنا إلى ما هو فيه) ، وأنا أذاكر هذا السيد، فقمنا من عنده ورجعنا إلى الصفة التي كنا فيها، حتى دخل خادم لنا له، فلما رآه أغلظ له في القول، وقال: (كما أقول لك: إذا استعنتُك في حاجة فلا تعرِّج على شيءٍ غيرها، فإنني متعلق