وسَقَّف هذا الأشعريُّ كلامه -يعني وضع سقفا- والسقف يأتي في أعلى البناء، كما قال سبحانه وتعالى: {وَالسَّقْفِ الْمَرْفُوعِ} . (الطور: 5) ، وقال: {لِبُيُوتِهِمْ سُقُفًا مِنْ فِضَّةٍ} . (الزخرف: 33)
وهنا كأنَّ الناظم يشير إلى أنهم وضعوا بناء للبدعة، والأشعري وضع لهذا البناء سقفا، وأربى عليه وجاء بأشياء جديدة.
36 -فَمَا قَالَهُ قَدْ بَانَ لِلْحَقِّ ظَاهِراً * * * وَمَا فِي الْهُدَى عَمْداً لِمَنْ مَازَ وَادَّكَرْ
قوله: ذوي الدبر هم أصحاب الآراء المدبرة، الفاسدة الخاطئة، والله أعلم، وما في الهدى عمدا ماز وادّكر، ماز أي ميز هذه الأمور، كما قال الله عز وجل، وادكر واعتبر، {فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ} . (القمر: 15) ، وقال: {وَامْتَازُوا الْيَوْمَ أَيُّهَا الْمُجْرِمُونَ} . (يس: 59) ، ميز، فالمجرمون يمتازون عن المجرمين، فهناك بعض الأسماء للمبتدعة الذين ذهبوا بآرائهم بعيدا منهم الحلاَّج.
37 -يُكَفِّرُ هَذَا ذَاكَ فِيمَا يَقُولُهُ * * * وَيَذْكُرُ ذَا عَنْهُ الَّذِي عِنْدَهُ ذُكِرْ
38 -وَبِالْعَقْلِ فِيمَا يَزْعُمُونَ تَبَايَنُوا * * * وَكُلُّهُمُ قَدْ فَارَقَ الْعَقْلَ لَوْ شَعَرْ
الشرح والتوضيح:
العجيب هناك حروب شديدة بالكلام بين أهل الكلام، بعضهم يكفر بعضا، وهذا يقول عن هذا: كافر، وهذا يقول عن هذا: كافر، أو هذا يقول عن هذا مبتدع، أو هذا يرد عليه ويقول عنه مبتدع، ويترامون بالكفر، فليس سعيهم في الإصلاح، وإنما سعيهم في نقل الباطل، ومن خالفهم وخالف منهجهم الباطل، لذلك لما أخبر الله سبحانه وتعالى عن الخليل إبراهيم عليه السلام أنه قال لقومه فيما أنذرهم به: {وَقَالَ إِنَّمَا اتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثَانًا مَوَدَّةَ بَيْنِكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضًا وَمَأْوَاكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ نَاصِرِينَ} . (العنكبوت: 25) ، فإذا استمررتم على ضلالكم في عبادة الأوثان، وطاعة الأزلام، وتولي الشيطان، كان رضاكم بها، وميلكم إليها مدة كونكم في الدنيا هذا الميل.