فهرس الكتاب
الصفحة 70 من 76

القلب بك)، فقال: (يا سيدي جزت في مجلس في المسجد الحرام على يدي عطاء بن أبي رباح، فإذا بقوم من أهل العراق يحاجون أصحابنا الحجازيين في مسألة الإرجاء، وقد علت أصواتهم، فوقفت عليهم انظر ما يكون منهم) .

فلما سمع أبو جعفر ذلك، وَحِمَ لذلك، وتغيَّر لونه، وقال: (إنا لله وإنا إليه راجعون) ، مرَّات، فقلت: (يا سيدي نحن في العراق أكثر أوقاتنا في هذا الحال، وأراك قد عظم عليك) ، فقال: (إنما عظم لحديث حدثني به هذا المصلي، وأشار إلى أبيه) ، قال: حدثني أبي الحسين بن علي ابن أبي طالب رضي الله عنه قال: (اجتمعنا عند أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه وأولاده وأولاد أخيه جعفر، وكان طيب النفس، فحدثنا ببدْء الخلق، وأن أول ما خلق الله القلم، فأجراه في اللوح بما هو كائن إلى يوم القيامة، ثم خلق العرش، وأقامه على الماء، وبعدها خلق السماوات والأرضين، حتى انتهى إلى خلق آدم عليه السلام، فأُنزل إلى الأرض فجعله خليفته فيها، وجعل له نسلا، وهو سكان الأرض، وأرسل بكل عصر رسلا مبشرين ومنذرين؛ ليدعوا الناس إلى التوحيد، ويقيموهم على سبيل الأمر والنهي، فأجابه منهم من أراد سعادته، فلم تزل كل أمة على بصيرة من دينها، وبينة من أمرها، ما دامت متمسكة بعهد نبيها، مقيمة على ما فارقته عليه، حتى إذا أراد الله إهلاكها، نبغ فيهم الآرائيون شياطين الإنس، فاستدلوهم عن نهج أنبيائهم، وزخرفوا لهم باطلا، دعوهم إليه، فلم يكن لله فيهم حاجة، فأهلكهم الله سبحانه وتعالى، وجدد للناس دينهم بنبي آخر، وإني خشيت أن يكون سارع لهذه الأمة هؤلاء الشياطين، واسترجاعي ما أنكرته لذلك) .

وهذا هو كأنه يحكي عن القدر، القدر الكوني، أن الله عز وجل أراد أن يكون مثل هؤلاء، منذ ذلك الزمن، ومنذ أن جاءت الشياطين، بهؤلاء جاء الله سبحانه وتعالى إليهم للناس بنبي، والأمة هذه لا نبي بعد نبيها صلى الله عليه وسلم، فكلما ذهب أناس وعلماء جاء لهم بعلماء آخرين، ينفون عن هذا الدين شبه المعطلة والمرجئة، والخوارج والقدرية، وسمِّ ما شئت مما شابَ الدينَ من أقوال الفلاسفة والمتكلمين.

وبهذا يكون الشرح قد انتهى، وشرح الأبيات قد اكتمل، هذا والله أعلم وأعز وأكرم.

وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

وبارك الله فيكم.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام