25 -وَأَصْحَابُهُ قَدْ أَبْدَعُوا وَتَنَطَّعُوا * * * وَجَازُوا حُدُودَ الْحَقِّ بِالإِفْكِ وَالأَشَرْ
وَأَصْحَابُهُ أي وأصحاب علم الكلام قد ابتدعوا وأحدثوا في دين الله لما ليس منه، وتعمَّقوا فيما لا علم لهم به، فهلكوا، فالمتنطعون حكم عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالهلاك، فقال:"هَلَكَ الْمُتَنَطِّعُونَ"قَالَهَا ثَلَاثًا. [1]
فهؤلاء أبدعوا وتنطعوا، جاءوا بالبدع وتعصبوا وتعمقوا فيها، نسأل الله السلامة، وجازوا حدود الحق وتعدوا حدود الله سبحانه وتعالى بالإفك والأشر، يعني بالكذب على الله، وعلى دين الله، وعلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، لأنهم جعلوا آراءهم وأهواءهم دينا، تعبدوا الله سبحانه وتعالى بها، والأشر معناه التعالي والتعاظم والترفع، ورؤية النفس، كلها من معاني التعالي.
كان الشعبي رحمه الله وهو من سادات التابعين يقول: (ما أتاك عن الله ورسوله وأصحابه فضعه على رأسك وعينيك، وما أتاك من هؤلاء الصعافقة فاضرب به أقفيتهم) . [2]
=الصعافقة هم الذين يأتون الأسواق وليس معهم مال، فإذا جاء التجار يبيعون دخلوا معهم، يعني خلُّوا لنا نصيبًا معكم، فيما لا يعلمون، هذا في اللغة، والمقصود هنا فيما لا يعلمون في الدين، فيدخلون أنفسهم في الدين فيقولون: هذا حلال وهذا حرام، وهذا يجوز وهذا لا يجوز، وما أكثرهم في هذا الزمان.=
وقال الشعبي: (أنتم بخيرٍ ما أتاكم العلم عن أكابركم؛ وهم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وما أتاكم عن أصاغركم؛ وهم الآرائيون) ، ولو كان عمره سبعين سنة، أو تسعين سنة، ما دام يقول بالرأي المحض، فإنه من الأصاغر، (فقد هلكتم وعُدِل بكم عن سواء السبيل) . =وعَنْ عَبْدِ اللهِ بن مسعود، قَالَ: (لَا يَزَالُ النَّاسُ بِخَيْرٍ مَا أَتَاهُمُ الْعِلْمُ مِنْ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَمِنْ أَكَابِرِهِمْ، فَإِذَا جَاءَ الْعِلْمُ مِنْ قِبَلِ أَصَاغِرِهِمْ فَذَاكَ حِينَ هَلَكُوا) [3] .=
(1) (م) (2670) .
(2) شرح السنة للإمام البغوى (1/ 318) .
(3) المعجم الكبير للطبراني (9/ 114) ، رقم: (8589) .