الصفحة 862 من 952

وفي روايةٍ لأحمد: (( إن أول ما خلق الله -تعالى- القلم، فقال له: اكتب. فجرى في تلك الساعة بما هو كائنٌ إلى يوم القيامة ) ).

وفي روايةٍ لابن وهب: قال رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (( فمن لم يؤمن بالقدر خيره وشره أحرقه الله بالنار ) ).

وفي المسند والسنن عن ابن الديلمي قال: أتيتُ أبي بن كعب، فقلت: في نفسي شيء من القدر، فحدثني بشيء لعل الله يذهبه من قلبي. فقال: (( لو أنفقت مثل أحد ذهبًا ما قبله الله منك حتى تؤمن بالقدر، وتعلم أن ما أصابك لم يكن ليخطئك، وما أخطأك لم يكن ليصيبك، ولو مُتَّ على غير هاذا لكنتَ من أهل النار ) ). قال: فأتيتُ عبد الله بن مسعود، وحذيفةَ بن اليمان، وزيد بن ثابت، فكلُّهم حدثني بمثل ذلك عن النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. حديث صحيح رواه الحاكم في صحيحه.

[الشرح]

قال المؤلف رحمه الله: (باب ما جاء في منكري القدر.)

مناسبة هاذا الباب لكتاب التوحيد: أن إنكار القدر من أعظم السيئات التي يَنتَقِضُ بها توحيد العبد.

قال ابن عباس: القدر نظام التوحيد، فمن أنكر القدر، أو من كذَّب بالقدر نقض تكذيبُه توحيدَه.

وهاذا يدل على أن التوحيد من آكدِ ما يقرره ويدعو إليه الإيمانُ بالقدر، ولذلك قال جماعة من العلماء: إنه ما من آية في كتاب الله في تقرير التوحيد إلا وتدل على إثبات القدر، وعلى خلق الله -جل وعلا- لأفعال العباد. هاذه مناسبة إدخال هاذا الباب في كتاب التوحيد.

أما مناسبته للأبواب التي قبله: فإن الأبواب التي قبله فيها سوء الظن بالله عز وجل، والتعنت على القدر، والذم لحوادث الزمان، وما يُجريه الله من الرّياح وما أشبه ذلك، وكل هاذا من ضعف الإيمان بالقدر، فناسَبَ أن يأتي بأعظم ما يكون مما يتعلّق بالخلل بالقدر، وهو إنكارُه.

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام