الصفحة 698 من 952

إذًا إنكار النعَم على درجات: منها ما هو كلّي، وذلك بإضافتها إلى غير الله خلقًا وإيجادًا، ومنها ما هو جزئي، وذلك بأن يضيفها إلى غير الله سببًا مع الغفلة عن الله -عزّ وجل- أو تسوية غير الله به.

ثم مناسبة هاذا الباب للباب الذي قبله: أن النعَم -نِعَم الله جل وعلا على خلقه- هي من مقتضيات الأسماء والصفات، فإن من تأمل أسماء الله -عز وجل- وصفاته وَجَدَ أنها مصدر كلّ خير، فما في الناس من نعمة فإنها منه -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى-، ولعل ذِكر المؤلف -رحمه الله- للنعم بعد ذكر جحد الكفار للرحمان؛ لكون الرحمان هو من أوسع الصفات التي توصل بها النعَم للخلق، فناسب أن يذكر المؤلف -رحمه الله- أن إنكار الأسماء سبب لإنكار النعَم، إنكار أسماء الله -عز وجل- يُفضي إلى إنكار النعَم، ولذلك الكفار لما أنكروا اسم الرحمان أنكروا النعَم إما إنكارًا كليّاً، وإما إنكارًا جزئيّاً على ما سيأتي تفصيله وبيانه، هاذه مناسبة هاذا الباب لما قبله فيما يظهر والعلم عند الله.

قال المؤلف رحمه الله: (باب قول الله تعالى: {يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ اللّهِ ثُمَّ يُنكِرُونَهَا} [1] .)

هاذه الآية في سورة النحل، وسورة النحل هي سورة النعَم؛ ذكر الله -جل وعلا- نِعَمَه على الخلق وإنعامه عليهم بأنواع متعددة، النعَم الدينية، والنعَم الدنيوية، أولها: نعمة الخلق، ثم نعمة التسخير، وقبل ذلك نعمة الهداية إلى الاستقامة وإلى الدين، وذكر أَجَلَّ النعَم وهي إنزال الوحي، وهاذه نعمة على الجميع لا شكّ، إلا أن المنتفع بها هم أهل الإيمان.

{يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ اللّهِ ثُمَّ يُنكِرُونَهَا} أي: إنهم يعرفون هاذه النعمة، يعرفون من أَنعَم بها، ومن أين أتتهم، ثم هم بعد هاذه المعرفة التي تقتضي الإيمان، وتقتضي الإقرار أنكروها وكذّبوها، وإنكارها يكون بما ذكر المؤلف -رحمه الله- من الآثار.

(1) سورة: النحل، الآية (83) .

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام