الصفحة 60 من 952

قوله رحمه الله: (من حقق) . (من) شرطية و (حقق) فعل الشرط، و (حقق) أي: بلغ درجة اليقين، فالتحقيق في اللغة هو بلوغ اليقين، وهو من حَقَّ، وهاذه المادة مادة - حَقَّ - تدور على إثبات الشيء وصحته، جميع المعاني المشتقة من هذين الأصلين: الحاء والقاف تدور على إثبات الشيء وصحته، والمراد هنا مَن كمَّل التوحيد وبلغ فيه درجة اليقين، وذلك لا يكون إلا بأن لا يبقى في قلبه شيء لغير الله أصلاً، بل يبقى قلبه مواليًا لربه جل وعلا في كل شيء: يحب ما أحبه ويبغض ما أبغضه، يتّبع أمره ويترك ما نهى عنه، فهو دائر مع أمر الله ونهيه، ليس في قلبه ميل إلى غيره -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى-، وهاذه درجة عالية رفيعة كبيرة يسعى إليها المشمِّرون، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء.

قال: (من حقّق التوحيد دخل الجنة بغير حساب) .

(دخل الجنة) وتقدّم لنا أن الجنة هي دار النعيم الكامل المطلق التي أعدّ الله فيها لعباده الصالحين ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر. (بغير حساب) أي: بغير محاسبة، فيدخل الجنة دون أن يحاسب، بل يدخل بلا حساب، والذين لا يحاسبون في الآخرة صنفان:

هؤلاء الذين سنقرأ وصفهم في خبر رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وهؤلاء الغاية في السعادة، نسأل الله أن نكون منهم.

والقسم الآخر هم الكفار، فإن الكفار لا يحاسبون محاسبة من توزن حسناتهم وسيئاتهم؛ لأنه لا حسنات لهم، بل هم كما قال الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى-: {وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا} . وكما قال الله تعالى: {فَلا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا} . فالله -جل وعلا- لا يقيم لهم حسابًا ولا وزنًا يوم القيامة.

الكلام عن الصنف الأول الذين سيأتي وصفهم، يبقى قسمان من الناس يحاسبون، وسيأتي الكلام عليهما في كلامنا على الحديث إن شاء الله تعالى.

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام