الصفحة 592 من 952

هاذه الأمور الثلاثة هي التي يخشاها أهل الإيمان في ما يتعلّق بالأمن من مكر الله، وليس مما يتعلّق بأهل الإيمان في الأمن من مكر الله أنهم لا يعاقبون بذنوبهم، فإنّ هاذا في الغالب لا يكون إلا من أهل الكفر، أما أن المؤمن يظنّ أنه يسرف على نفسه، ويحاد الله ورسوله وأن الله لن يؤاخذه بذلك فهاذا لا يكون ممن في قلبه إيمان.

أما قوله: {أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ} ففيه إثبات المكر لله -عزّ وجل-، والمكر: هل هو صفة مدح أو صفة ذم؟ من الناس من لا يرى المكر إلا ذمّاً، ولذلك يقولون: لا نثبت المكر صفةً لله -عز وجل-، وهاذا غلط؛ لأن الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- أعلم بنفسه من خلقه، وقد أثبت لنفسه المكر في آيات عديدة، منها قوله تعالى: {أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ} . وأثبت لنفسه الكيد كما قال تعالى: {وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ} [1] . فالمكر والكيد ليس مذمومًا في جميع الموارد؛ بل منه ما هو محمود، وهو: ما كان في مقابل من استحق المكر والكيد، فإن الكيد بمن يكيد أهل الإسلام وأولياء الله محمود، والمكر بمن يمكر بأولياء الله محمود وصفة كمال، فهاذا المعنى الذي فيه جانب مذموم وفيه جانب محمود هل يثبت لله -عز وجل- مطلقاً؟

الجواب: لا، إنما يثبت لله منه ما هو محمود، ولذلك من العلماء من يرى ألا يطلق هاذا على وجه الإطلاق دون ذكر مقابله، فلا يقال: من صفاته المكر، بل يقال: من صفاته المكر بمن يستحقه؛ لأنه ليس على الإطلاق صفة مدح، وأكثر الموارد في الكتاب وفي السنة ذكر هاذه الصفات في مقابل من يستحق المكر والكيد، فهو وصف مقيَّد، ومن الصفات ما لا يطلق منفردًا، بل لابد من أن يقترن بما يقابله، مثل: (الظاهر) فلا يصح أن يوصف فقط بالظاهر؛ لأنه لا يكتمل المعنى الكامل الذي ثبت لله إلا بذكر مقابله، وهو (الباطن) .

(1) سورة: الأعراف، الآية (183) .

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام