الطيرة جاء بها المؤلف -رحمه الله- في هاذا الباب في كتاب التوحيد لأن الطيرة شرك، فإن النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: (( الطيرة شرك ) ). ووجه كون الطيرة شركاً أن فيها اعتقاد التأثير في غير مؤثر، يعني التأثير من غير مؤثر ممن لا يصلح أن ينسب إليه التأثير، وهو حركات الطيور وأصواتها، فلما كانت هاذه النسبة- أي: نسبة اليمن والشؤم إلى ما لا يصح نسبة الشيء إليه- كان ذلك من شرك الأسباب، وقد يرقى بصاحبه إلى الشرك الذي هو الكفر، الشرك الأكبر الذي يخرج عن الملة على حسب ما يقوم بقلب صاحبه، وهاذا قد قررناه سابقاً، وهو أن الشرك الأصغر قد ينتقل إلى الأكبر باعتبار ما يقوم بقلب الفاعل، هاذا وجه مناسبة الباب لكتاب التوحيد.
أما مناسبته للأبواب التي قبله: فإنه في الأبواب التي قبله ذكر الكهانة، وهي إحدى الطرق التي يستكشف بها الغيب ويستجلى بها المستقبل، وفي هاذا الباب ذكر طريقاً آخر يسلك لاستكشاف الغيب واستشرافه وهو الطيرة، فإنهم يستدلون بحركات الطيور وأصواتها على ما سيكون في المستقبل من اليمن والشؤم، من اليسر والعسر، فأتى به المؤلف -رحمه الله- بعد باب الكهانة للمناسبة بينهما في كونهما يشتركان في استكشاف الغيب واستجلائه.
ولم يجزم المؤلف -رحمه الله- في الطيرة بحكم؛ لأن الطيرة منها ما أقره النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وهو الفأل، فإن الفأل مضاف إلى الطيرة، ولذلك جاء في الحديث الذي ذكره المؤلف -رحمه الله- أن النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نهى عن الطيرة، نهى أو نفى يحتمل النهي ويحتمل النفي في قوله: (( لا عدوى، ولا طيرة ) )، ثم قال: (( ويعجبني الفأل ) )بعد ذكر الطيرة، وهاذا يدل على أن الفأل في الجملة من الطيرة.