ولا يقال: إنه ارتكاب أدنى المفسدتين لدفع أعلاهما؛ لأن المفسدة قد حصلت وانتهت، وحل السحر بالسحر ليس دفعاً لمفسدة، إنّما هو ارتكاب لمفسدة جديدة، فلا يقال: إن هاذا من باب دفع أعلى المفسدتين بارتكاب أدناهما، فإن المفسدة الأولى وهي انعقاد السحر قد مضت وانتهت، وإنما يقال هاذا في ما إذا كان الإنسان مضطرّاً لارتكاب إحدى المفسدتين، أما أن يأتي بمفسدة جديدة ويقول: هاذا من باب دفع المفسدة بمفسدة أهون منها فليس بصحيح.
قال: (وعليه يحمل قول الحسن في قوله: لا يحل السحر إلا ساحر) .
يقول -رحمه الله- في بيان أن ذلك من عمل الشيطان: (فيتقرب الناشر والمنتشر) الناشر: الذي يحل السحر، والمنتشر: المسحور- (إلى الشيطان بما يحب) ، يعني من الأقوال أو الأعمال أو غير ذلك من وسائل التقرب.
وقد يقول قائل: إن التقرب لا يكون من المنتشر إنما يكون من الناشر، يعني الذي يتقرب هو الناشر فقط -الساحر- نقول: ما أفضى إلى الشيء فله حكمه؛ لأن الوسائل لها أحكام المقاصد، فإذا علمت أن هاذا لا يتمكن من حل السحر إلا بطريق محرم فلا يجوز لك أن تأتيه؛ لأنك ستكون سببًا لارتكاب الشرك والكفر، والله -عز وجل- منع المحرم ومنع الوسائل المفضية والمؤدية إليه.
فلو قال قائل: إن المسحور يذهب إلى الساحر لا يتقرب بعبادة ولا بذبح ولا بغيره، إنما يدفع مالاً ليتخلص من شر السحر الذي عانى منه؟ فالجواب: أن هاذا لا يجوز؛ لأن هاذا إعانة للساحر على سحره الذي لا يتوصّل إليه في الغالب إلا بالكفر والشرك.
قال: (فيبطل عمله عن المسحور) يبطل عمل السحر عن المسحور.