ثم بعد أن قرر هاذين الأمرين وهما أن ما يدعى من دون الله ويقصد مهما كان في جلب خير أو دفع ضُر لا يحصل الإنسان منه مقصوده ولا ينال مطلوبه، قال سُبْحَانَهُ وَتَعَالى: {قُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ} فأمر الله -عز وجل- رسوله بأن يعلم هؤلاء إلى من يلجؤون {حَسْبِيَ اللَّهُ} والحسب هو الكفاية وهنا يشمل الحسب دفع الضُّر وجلب الخير، وقد ذكر الله -عز وجل- الحسب وهو الكفاية في جلب الخير وفي دفع الضر:
في جلب الخيركما في قوله سبحانه: {حَسْبُنَا اللَّهُ سَيُؤْتِينَا اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ} [1] .
وفي دفع الضرر في قوله تعالى: {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ} [2] فهنا الكفاية في دفع ضرر وشر.
وفي هاذا الموضع تشمل المعنيين الدافع للضرر والرافع، وتشمل أيضاً الجلب للخير: {قُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ} أي إنما تتم الكفاية به -سُبْحَانَهُ وَتَعَالى- في حق من صدق في توكله {عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ} فيحصِّلون ما ذكره -سُبْحَانَهُ وَتَعَالى- من الكفاية.
هاذه الآية مناسبتها للباب واضحة:
فإن الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالى- قطع العلائق كلها، فلا سبيل لتحصيل نفع أو دفع ضُر إلا من طريقه -سُبْحَانَهُ وَتَعَالى- وكل من رجا جلب خير ودفْع سوء من غير طريقه فإنه لا يحصِّل ما يريد؛ بل لو حصل له ما يريد فإنما يحصل له فتنة واستدراجاً، وإلا فإن الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالى- بيده الخير لا مانع لما أعطى ولا معطي لما منع.
هاذه الآية هل هي في الشرك الأصغر أم في الشرك الأكبر؟
(1) سورة: التوبة، الآية (59) .
(2) سورة: آل عمران، الآية (173) .