والمُرجِئةُ: محجوجون بما تواتَرَ مِن أدلَّةِ زيادةِ الإيمانِ بالطاعاتِ، ونقصانِهِ بالمعاصي، وما يَتبَعُ ذلك مِن لوازمِ تفاوُتِ مراتبِ المؤمِنِينَ في الجَنَّة، وتعذيبِ بعضِ عصاةِ المؤمِنِينَ في النار، ثُمَّ إخراجِهم منها برحمةِ الله.
* قَالَ ابْنُ أَبي زَيْدٍ: (وَأَنَّ الشُّهَدَاءَ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونْ، وَأَرْوَاحُ أَهْلِ السَّعَادَةِ بَاقِيَةٌ نَاعِمَةٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونْ، وَأَرْوَاحُ أَهْلِ الشَّقَاوَةِ مُعَذَّبَةٌ إِلَى يَوْمِ الدِّينْ) :
الأرواحُ كائِنةٌ قائِمةٌ بذاتِها، تُنعَّمُ وتُعذَّبُ، وتَشقَى وتَسعَدُ بنَفْسِها، ولا يَلزَمُ أنْ يكونَ معها البدَنُ في ذلك؛ لأنَّها مغايِرةٌ له، فليستْ عضوًا منه كاليَدِ والوجهِ، وهي مخلوقةٌ بلا خلافٍ؛ فاللهُ خالقُ كلِّ شيءٍ، وهي مِن أمرِ اللهِ يَعلَمُ حقيقتَها وكُنْهَها؛ كما قال تعالى: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا} [الإسراء: 85] .
وللأرواحِ مستقَرٌّ غيرُ الأبدانِ بعد مَوْتِها، ويُعِيدُها اللهُ إلى الأبدانِ في حياةِ البَرْزَخِ عند سؤالِ الفَتَّانِ؛ كما يُعِيدُ اللهُ رُوحَ النبيِّ -صلى الله عليه وسلم- إليه في قَبْرِه؛ قال -صلى الله عليه وسلم-: (مَا مِنْ رَجُلٍ يُسَلِّمُ عَلَيَّ إِلَّا رَدَّ اللهُ عَلَيَّ رُوحِي؛ حَتَّى أَرُدَّ عَلَيْهِ السَّلَامَ) (1) ، وقد كانت قبلَ ذلك في الرَّفِيقِ الأعلى؛ كما قال -صلى الله عليه وسلم- لما حضَرَتْهُ الوفاةُ: (اللَّهُمَّ، الرَّفِيقَ الأَعْلَى) (2) .
(1) أبو داود (2041) من حديث أبي هريرة.
(2) البخاري (4463 و 6348 و 6509) ، ومسلم (2444) من حديث عائشة.