وسَمَّى كتابَهُ بالمفصَّلِ والبَيِّنِ؛ قال تعالى: {كِتَابٍ مُبِينٍ} [النمل: 75] ، وقال: {كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ} [فصلت: 3] ، وأمَرَ كثيرًا بتدبُّرِهِ؛ قال: {لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ} [ص: 29] ، وقال: {أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ} [النساء: 82] ، وقال: {أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ} [المؤمنون: 68] .
والقولُ بأنَّ آياتِ الصفاتِ مِن المتشابِهاتِ، وعلى هذا تُنفَى حقائقُها وتفوَّضُ، لم يُسبَقْ قائلُهُ بهذا؛ لا مِن الصحابةِ، ولا مِن التابعين.
وينسُبُ جماعةٌ التفويضَ إلى السلفِ؛ وذلك لأنَّ في بعضِ كلامِ بعضِهم ما يُتوهَّمُ منه التفويضُ؛ كقولِ بعضِهم في آياتِ الصفاتِ وأحاديثِها؛ كالزُّهْريِّ، ومكحولٍ:"أَمِرُّوا الأَحَادِيثَ كَمَا جَاءَتْ" (1) ، أو قولِ بعضِهم؛ كالأوزاعي، والثَّوْريّ، ومالكٍ، والليث، وأحمدَ:"أَمِرُّوهَا كَمَا جَاءَتْ" (2) ، أو قولِ بعضِهم؛ كالوليدِ بنِ مُسلِم:"أَمِرُّوهَا بِلَا كَيْفٍ" (3) ، أو قولِ بعضِهم؛ كابنِ عُيَيْنةَ:"هِيَ كَمَا جَاءَتْ؛ نُقِرُّ بِهَا، وَنُحدِّثُ بِهَا بِلَا كَيْفٍ" (4) ، أو قولِ بعضِهم؛ كوَكِيعٍ:"نُسَلِّمُ هَذِهِ الأحَادِيثَ كَمَا جَاءَتْ، وَلَا نَقُولُ: كَيْفَ؟ وَلِمَ جَاءَ هَذَا؟" (5) ، ونحوِ ذلك مِن الأقوال.
ويَحمِلُونَ إمرارَ آياتِ الصفاتِ وأحاديثِها بمعنَى تَرْكِها حروفًا
(1) "شرح أصول الاعتقاد" (735) ، و"الرسالة الوافية" (19) .
(2) "الشريعة" (720) ، و"شرح أصول الاعتقاد" (930) ، و"الأسماء والصفات" (955) .
(3) "شرح أصول الاعتقاد" (875) ؛ نقلًا عن جماعة من الأئمة.
(4) "الصفات"للدارقطني (63) .
(5) "السُّنَّة"لعبد الله (495) ، و"الصفات"للدارقطني (62) .