فالجُويْنِيُّ: يَرَى أنَّ القدرةَ الحادِثةَ تؤثِّرُ في مقدورِها، واستحَلَّ إطلاقَ القولِ بأنَّ العبدَ خالِقُ أعمالِه، وأنَّ فعلَ العبدِ واقِعٌ بقدرتِهِ قَطْعًا، وقدرتَهُ منفرِدةٌ بالتأثيرِ فيه (1) .
وكذلك قولُ الرازيِّ في"الأَربَعِين"، و"المَطَالِبِ العَالِيَة": إنَّ الصفاتِ إنَّما هي نِسَبٌ وإضافاتٌ تحصُلُ بين ذاتِهِ تعالى، وبين المعلومِ والمقدورِ والمرادِ (2) .
وكذلك الجَلَالُ الدَّوَّانِيُّ: فإنَّه يقولُ بعَيْنِيَّةِ الصفاتِ، وأنَّ الصفاتِ عَيْنُ الذاتِ، وأنَّ الحوادِثَ لا أَوَّلَ لها، كما في"شرحِ العقائِدِ العَضُدِيَّة" (3) ، إلى غيرِ ذلك مِن أنواعِ النِّزَاع.
ولم يكن أحدٌ مِن أصحابِ مالكٍ يخوضُ في الكلامِ، ولا يقرِّرُهُ في أصولِ الدِّين، ولما امتُحِنَ الناسُ بخلقِ القرآنِ في العراقِ، اقتَدَى كثيرٌ مِن السلاطينِ بذلك في المغرِب، وامتَحَنُوا علماءَهم؛ فامتُحِنَ بعضُ أصحابِ مالكٍ؛ كموسى بنِ معاويةَ الصُّمَادِحِيِّ، وأحمدَ بنِ يزيدَ، وسُحْنُونِ بنِ سعيدٍ، وخلقٍ، وتولَّى المحنةَ قضاةٌ؛ كقاضي القَيْرَوانِ ابنِ أبي الجَوَّاد، وكان مقامُهُ في القَيْرَوانِ قريبًا مِن مقامِ أحمدَ بنِ أبي دُؤَادٍ في العراقِ في هذه الفِتْنة، وكان يسمِّيهِ سُحْنُونٌ:"فِرْعَوْنَ هذه الأُمَّةِ وجَبَّارَها" (4) .
(1) "النظامية" (ص 42) .
(2) "الأربعين في أصول الدين" (ص 117 وما بعدها) ، و"المطالب العالية" (2/ 106 - 108) ، وانظر: تفسيره"مفاتيح الغيب" (7/ 309) .
(3) (1/ 277 وما بعدها) ، وانظر: رسالته"إثبات الواجب" (ص 9) .
(4) "البيان المغرب" (1/ 109) .