وقد جاء ذِكْرُ الجَنَّةِ التي دخَلَها آدَمُ في القرآنِ معرَّفةً بلامِ التعريفِ، ولم يذكُرْها منكَّرةً؛ قال تعالى: {اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ} [الأعراف: 19] ، وقال: {فَلَا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى} [طه: 117] ولا جَنَّةَ يَعهَدُها المخاطَبونَ ويَعرِفُونها عند سَمَاعِها إلا جَنَّةُ الخُلْد.
وقولُ ابن أبي زَيْد:"وَخَلَقَ النَّارَ فَأَعَدَّهَا دَارَ خُلُودٍ لِمَنْ كَفَرَ بِهْ"، لا يريدُ به: أنَّ بعضَ عصاةِ الموحِّدينَ لا يدخُلُونَ النارَ، وإنما هذا ذكَرَهُ بقيدِ الخلود، والمؤمِنُ لا يخلَّدُ في النارِ ولو عُذِّبَ فيها؛ ولهذا قيَّد، فقال:"دَارَ خُلُودٍ لِمَنْ كَفَرَ بِه".
ولا يَرَى الكُفَّارُ ربَّهم يومَ القيامةِ؛ لأنَّ رؤيتَهُ نعيمٌ، ولا نعيمَ لهم؛ وقد قال تعالى: {كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ} [المطففين: 15] ، وقال رجلٌ لمالكٍ: يا أبا عبد الله، هل يَرَى المؤمِنُونَ ربَّهم يومَ القيامةِ؟ فقال مالكٌ:"لو لم يَرَ المؤمِنُونَ ربَّهم يومَ القيامة، لم يعيِّرِ اللهُ الكُفَّارَ بالحِجَابِ؛ قال الله تعالى: {كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ} [المطففين: 15] " (1) .
وبهذا استدَلَّ الشافعيُّ وأحمدُ (2) .
قال في"الجامع":"وَأَنَّ الجَنَّةَ وَالنَّارَ قَدْ خُلِقَتَا؛ أُعِدَّتِ الجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينْ، وَالنَّارُ لِلْكَافِرِينْ، لَا تَفْنَيَانِ ولا تَبِيدَانِ" (3) :
أخبَرَ اللهُ بخَلْقِ الجَنَّةِ والنار، وأنَّه أَعَدَّهُما قبلَ يومِ القيامةِ لأهلِهما؛ كما قال تعالى عن الجَنَّةِ: {أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ} [آل عمران: 133] ،
(1) "شرح أصول الاعتقاد" (808) .
(2) "الرد على الجهمية" (ص 133) .
(3) "الجامع" (ص 110) .