فضلِ النبيِّ -صلى الله عليه وسلم-، وكما يتفاضَلُ الأنبياءُ، فإنَّ الصحابةَ يتفاضَلُونَ فيما بينَهم مِن بابِ أَوْلى.
وقد كان سُحْنُونٌ يلقِّنُ ابنَ القصَّارِ في مرَضِ موتِهِ:"أنَّ أفضَلَ هذه الأمَّةِ بعد نبيِّها أبو بكرٍ وعُمَرُ" (1) .
ولا يَختلِفُ السلَفُ في هذا، ووقَعَ في قِلَّةٍ منهم نزاعٌ في التفاضُلِ بين عثمانَ وعليٍّ (2) :
فمنهم: مَن فضَّل عثمانَ على عليٍّ.
ومنهم: مَن فضَّل عليًّا على عُثْمانَ.
ومنهم: مَن توقَّف.
ثُمَّ استقَرَّ الأمرُ على أنَّ ترتيبَهم في الفَضْلِ؛ كترتيبِهم في الخلافةِ: عُثْمانُ ثم عليّ، وقد قال عبدُ الرحمن بن عوفٍ: واللهِ ما بايعتُ لعثمانَ حتى سألتُ صِبْيانَ المدينةِ؛ فقالوا: عثمانُ خيرٌ من علِيٍّ (3) .
وقد وصَفَ ابنُ أبي زيدٍ هذا القولَ في"جامعِهِ"، بأنَّه قولُ أهلِ الحديثِ؛ قال:"وَهُوَ قَوْلُ أَهْلِ الحَدِيثِ، ثُمَّ بَقِيَّةُ الْعَشَرَةِ، ثُمَّ أهْلُ بَدْرٍ مِنَ المُهَاجِرِينَ، ثُمَّ مِنَ الأَنْصَارِ، وَمِنْ جَمِيعِ أَصْحَابِهِ؛ عَلَى قَدْرِ الهِجْرَةِ وَالسَّابِقَةِ وَالفَضِيلَةِ" (4) .
وقد انتشَرَ الطعنُ في الصحابةِ في زمَنِ بني عُبَيْدٍ في المغرِبِ، خاصَّةً القَيْرَوانَ، وامتُحِنَ الناسُ في ذلك؛ حتى أُكرِهُوا على سبِّ
(1) "رياض النفوس" (1/ 367 - 368) ، وقد سبق.
(2) "مجموع الفتاوى" (4/ 426) .
(3) "المسائل التي حلف عليها أحمد" (ص 97) .
(4) "الجامع" (ص 115) .