وزعَمَ بعضُ الفلاسفةِ والمتكلِّمينَ عدَمَ علمِ اللهِ بالجزئيَّات؛ فيَرَوْنَ أنَّ الله يَعلَمُ الأشياءَ على وجهٍ ثابتٍ كليٍّ، لكنَّه لا يَدخُلُ تحتَ عَجَلةِ الزمانِ؛ فلا يَعلَمُ الجزئيَّاتِ التي يكونُ حدوثُها يُوجِبُ تجدُّدَ الإحاطةِ بها؛ فيُحدِثُ تغيُّرًا في ذاتِ العالِم.
وقد أشار إلى هذا الجُوَيْنِيُّ في"البُرْهان" (1) ؛ وهذا ضلالٌ مُبِين؛ فكلُّ ما في الوجودِ خلقُ الله، وإذا كان خلَقَهُ، فهو عالمٌ به، وقد استنكَرَ الله على مَن فصَلَ بين العلمِ والخلقِ: {أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} [الملك: 14] .
وقد ردَّ أئمَّةُ السُّنَّةِ هذه الضلالةَ، ووُجِدَتْ في بعضِ مقالاتِ المغارِبةِ، ورَدَّ عليهم أئمَّتُها؛ كابنِ العَرَبيِّ (2) ، بل قال المازَرِيُّ لِشِدَّةِ فسادِها:"وبوُدِّي لو مَحَوْتُ هذا مِن هذا الكتاب بماءِ بَصَرِي" (3) ؛ يعني: مِن كتابِ الجُوَيْنيِّ.
* قَالَ ابْنُ أَبي زَيْدٍ: (يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ فَيَخْذُلُهُ بِعَدْلِهْ، وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ فَيُوَفِّقُهُ بِفَضْلِهْ؛ فكُلٌّ مُيَسَّرٌ بِتَيْسِيرِهْ، إِلَى مَا سَبَقَ مِنْ عِلْمِهِ وَقَدَرِهْ؛ مِنْ شَقِيٍّ أَو سَعِيدٍ) :
لا يخرُجُ الناسُ عن تقديرِ اللهِ لهم، وتقديرُهُ لهم لا يَعنِي: أنَّه سبحانَهُ لا يريدُ مِن الكافِرِينَ شرعًا الإيمانَ، ولا يرضاهُ لهم، ولكنَّه سبَقَ في علمِهِ ما هم فاعِلُونَ؛ فمَن أرادَ الخيرَ، هداهُ، ومَن أراد الشرَّ أضلَّه؛
(1) "البرهان" (1/ 145 - 146) .
(2) "العواصم" (ص 138) .
(3) "إيضاح المحصول" (ص 125) .