فهرس الكتاب
الصفحة 200 من 344

وقال عن النارِ: {أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ} [البقرة: 24, وآل عمران: 131] ؛ فإعدادُها سابقٌ لعمَلِ العامِلِين، وأعدَّها اللهُ لسابِقِ علمِهِ وتقديرِه، ولمَّا عُرِجَ بالنبيِّ -صلى الله عليه وسلم- إلى السماء، أُرِيَ الجَنَّةَ؛ قال تعالى: {وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى (13) عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى (14) عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى} [النجم: 13 - 15] ، وقد أُرِيَ الجنةَ والنارَ في أحاديثَ كثيرةٍ (1) .

وقد رأى النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- الجَنَّةَ والنارَ في المنام، ورؤيا الأنبياءِ حَقّ، ليست كأحلامِ الناس؛ وبهذا يستدِلُّ أحمدُ على أنَّ الجَنَّةَ والنارَ قد خُلِقَتا؛ كما نقَلَهُ عنه حَنْبَل (2) ، وأدلةُ خلقِ الله للجنة والنار صريحةٌ متواتِرة، وقد جَزَم أحمدُ بكفرِ منكِرِ ذلك؛ كما نقله عنه الأندرانيُّ وغيرُه (3) .

وكلُّ مَن نَفَى القَدَرَ، لَزِمَهُ القولُ بنفيِ سَبْقِ خَلْقِ الجنَّةِ والنار.

* خُلود الجَنَّة والنار:

وقد قالت بعضُ الطوائفِ: إنَّ أفعالَ اللهِ لها آخِرٌ، ومنها الجَنَّةُ والنارُ، وعلى هذا تَفْنيَانِ؛ وهو قولُ الجَهْمِ بنِ صَفْوانَ (4) .

وربَّما استدَلَّ بعضُهم ببعضِ عموماتِ القرآنِ؛ كقولِهِ تعالى: {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ} [القصص: 88] .

ويُجمِعُ السلَفُ على أنَّ الجنَّةَ والنارَ لا تَفْنَيَانِ، وإنَّما ثَمَّةَ كلامٌ قليلٌ لبعضِهم في فناءِ النار (5) ، وقد ذكَرَ اللهُ أبديَّةَ النارِ في مواضعَ مِن

(1) كما في حديث أسماء عند البخاري (86) ، ومسلم (905) . وحديث أنس أيضًا عند البخاري (540) ، ومسلم (426) .

(2) "طبقات الحنابلة" (1/ 311) .

(3) "طبقات الحنابلة" (2/ 339) .

(4) "مقالات الإسلاميين" (2/ 396) ، و"درء التعارض" (2/ 358) .

(5) انظر: رسالة"رفع الأستار"، و"الرد على من قال بفناء الجنة والنار".

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام