ودِقَّةُ الصراطِ إنَّما هي مِن أقوالِ الصحابةِ والسلف، وليس في ذلك شيءٌ مرفوع، وما لم يَختلِفْ عليه السلفُ، فالأصلُ: أنَّ له أصلًا.
ولا يجوزُ إنكارُ الصراطِ لمجرَّدِ الاستنكارِ العقليِّ؛ كما يَفعَلُ ذلك طوائفُ مِن المادِّيِّينَ والمعتزِلة؛ فإنَّ العقلَ لو كان حَكَمًا على النصِّ، لكان إنكارُهُ لغيرِ ذلك مِن أمورِ القيامةِ أَوْلى مِن إنكارِ الصراط؛ ولكنْ ما ثبَتَ به النصُّ مِن الغيبيَّاتِ لا يجوزُ لأحدٍ إنكارُهُ بالعَقْل؛ فإنه ليس في صريحِ العقلِ ما يُحِيلُ ذلك.
* قَالَ ابْنُ أَبي زَيْدٍ: (وَالإِيمَانُ بِحَوْضِ رَسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-، تَرِدُهُ أُمَّتُهُ؛ لَا يَظْمَأُ مَنْ شَرِبَ مِنْهُ، وَيُذَادُ عَنْهُ مَنْ بَدَّلَ وَغَيَّرَ) :
حوضُ النبيِّ -صلى الله عليه وسلم- حَقٌّ، وقد استفاض فيه الحديثُ واشتَهَر، بل تواتَرَ حتى رواه أكثَرُ مِن خمسين صحابيًّا، باسمِهِ ومعناه، وكان يَعرِفُهُ عوامُّ أهلِ الصدرِ الأوَّلِ، وهو رجاءُ الجميعِ ودعاؤُهم؛ قال -صلى الله عليه وسلم-: (حَوْضِي مَسِيرَةُ شَهْرٍ، مَاؤُهُ أَبْيَضُ مِنَ اللَّبَنِ، وَرِيحُهُ أَطْيَبُ مِنَ المِسْكِ، وَكِيزَانُهُ كَنُجُومِ السَّمَاءِ؛ مَنْ شَرِبَ مِنْهَا، فَلَا يَظْمَأُ أَبَدًا) (1) .
ولا يَشرَبُ مِن الحَوْضِ إلا نَفْسٌ مؤمِنةٌ مِن أُمَّةِ محمَّدٍ -صلى الله عليه وسلم-؛ وذلك أنَّ مَن شَرِبَ منه لا يَظمَأُ أبدًا، ومَن كتَبَ اللهُ عليه النارَ، فلا بُدَّ أنْ يَظمَأُ، وفي الحديثِ قال -صلى الله عليه وسلم-: (إِنِّي عَلَى الحَوْضِ حَتَّى أَنْظُرَ مَنْ يَرِدُ عَلَيَّ مِنْكُمْ، وَسَيُؤْخَذُ نَاسٌ دُونِي، فَأَقُولُ: يَارَبِّ، مِنِّي وَمِنْ أمَّتِي؛ فَيُقَالُ: هَلْ شَعَرْتَ مَا عَمِلُوا بَعْدَكَ؟ ! وَاللهِ مَا بَرِحُوا يَرْجِعُونَ عَلَى أَعْقَابِهِمْ) (2) .
(1) البخاري (6579) ، ومسلم (2292) من حديث عبد الله بن عمرو.
(2) البخاري (6593) ، ومسلم (2293) عن أسماء بنت أبي بكر.