والأكثَرُ: على عدَمِ كُفْرِهم؛ ما لم يقَعُوا في إنكارِ معلوم مِن الدِّينِ بالضرورةِ؛ فإنَّهم طوائفُ متنوِّعة، ومَشارِبُ كثيرة؛ منهم غُلَاةٌ، ومنهم دُونَ ذلك، وقد توقَّف مالكٌ وأحمَدُ وغيرُهما في تكفيرِهم (1) ، وقد قيل لمالك:"فالحديثُ: (مَنْ قَالَ لِأَخِيهِ: يَا كَافِرُ، فَقَدْ بَاءَ بِهَا أَحَدُهُمَا) (2) ؟ قَالَ: أُرَاهُ فِي الحَرُورِيَّة، قِيلَ: فَتَرَاهُمْ بِذَلِكَ كُفَّارًا؟ قَالَ: مَا أَدْرِي يَا هَذَا" (3) .
وأكثَرُ مَن يَفتتِنُ بالخوارجِ: فبسبَبِ شجاعتِهم؛ فإنَّهم يقاتِلُونَ: إمَّا أن يَفْنَوْا أو يُفْنُوا، وبسببِ انتصارِهم لكلِّ مَن تسلَّط عليه السُّلْطانُ، ولا يفرِّقُونَ بين مظلومٍ وغيرِ مظلومٍ، كما فعَلَ الأَزَارِقةُ حينَما كسَرُوا سِجْنَ البَصْرةِ، فلَحِقَ بهم مَن كان فيه وبايَعَهُمْ.
وهم أشدُّ الناسِ توهُّمَا لنُصْرةِ الدِّينِ والمظلومِ، ولا يُعِزُّونَ دِينًا، ولا ينصُرُونَ مظلومًا، وربَّما أَضَرُّوا بالدِّينِ والمظلوم؛ قال عاصِمُ بن أبي النَّجُودِ في خارجِيٍّ:"واللهِ! ما أَعَزَّ هذا مِن دِينٍ، ولا دفَعَ عن مظلومٍ!" (4) .
وكذلك: يُفتَنُ الناسُ بثَبَاتِهم وتمسُّكِهم برأيِهم كما لو كان وَحْيًا؛ فلم يتزَحْزَحُوا وهم يقاتِلُونَ المهاجِرِينَ والأنصارَ، وليس في صَفِّهِم صحابيٌّ واحِدٌ (5) ، وحينما توعَّد أبو أَيُّوبَ الأنصاريُّ -رضي الله عنه- أحدَهُمْ بالنارِ،
(1) "السُّنَّة"للخلال (1/ 145 - 146) ، و"مجموع الفتاوى" (12/ 486) ، و"شرح الموطأ"للزرقاني (1/ 370) .
(2) البخاري (6104) ، ومسلم (60) من حديث ابن عمر.
(3) "الجامع"لابن أبي زيد (ص 125) .
(4) "السُّنَّة"لعبد الله (1531) .
(5) النسائي في"الكبرى" (7/ 480) .