وقد جاءتِ الأدلَّةُ في مستقَرِّ الأرواح، بعد موتِ الأبدان:
* أمَّا أرواحُ الشهداءِ: فكما قال تعالى: {وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ} [آل عمران: 169] ، وقد روى ابنُ مسعودٍ عن النبيِّ -صلى الله عليه وسلم- قولَهُ: (أَرْوَاحُهُمْ فِي أَجْوَافِ طَيْرٍ خُضْرٍ، لَهَا قَنَادِيلُ مُعَلَّقَةٌ بِالعَرْشِ، تَسْرَحُ مِنَ الجَنَّةِ حَيْثُ شَاءَتْ، ثُمَّ تَأْوِي إِلَى تِلْكَ القَنَادِيلِ) (1) .
* وأمَّا أرواحُ المؤمِنِينَ عامَّةً: فإنها تكونُ طيورًا تُعلَّقُ في شجَرِ الجنَّة؛ كما قال النبيُّ -صلى الله عليه وسلم-: (إِنَّمَا نَسَمَةُ المُسْلِمِ طَيْرٌ يُعَلَّقُ فِي شَجَرِ الجَنَّةِ، حَتَّى يَرْجِعَهَا اللهُ إِلَى جَسَدِهِ اِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ) (2) ، وإنْ كانت أرواحُ المؤمنينَ في الجَنَّةِ، فإنَّ اللهَ يُعِيدُها إلى أبدانِها متى شاء.
وكونُ أرواحِ المؤمنين في الجَنَّةِ: يَشهَدُ به ظاهرُ الحديثِ؛ وبه قال الشافعيُّ وأحمدُ وغيرُهما (3) .
ومنهم مَن قال: إنَّ أرواحَهُمْ بأَفْنِيَةِ القبورِ؛ باعتبارِ أنه يقالُ له:"هذا مَقْعَدُكَ"، وأنه يُسلَّمُ على أهلِ القبورِ؛ وبهذا قال ابنُ عبد البَرِّ (4) .
وفيه نظَر؛ فالحديثُ صريحٌ في أنها في الجنَّة، والمَقعَدُ إنما هو للبَدَن، واللهُ يُعِيدُ الرُّوحَ متى شاء؛ فيُنزِلها مِن الجنَّة، ثم يَرفَعُها.
ورُوِيَ عن مالكٍ أنه قال:"بلَغَنِي أنَّ الأرواحَ مُرسَلةٌ تَذهَبُ حيثُ شاءَتْ" (5) .
(1) مسلم (1887) .
(2) الترمذي (1641) ، والنسائي (2073) ، وابن ماجه (4271) من حديث كعب بن مالك.
(3) انظر:"مجموع الفتاوى" (5/ 447) .
(4) نقَلَه ابنُ عبد البر في"التمهيد" (11/ 65) عن ابن وَضَّاح.
(5) "الاستذكار" (8/ 361) .