استفاضَتِ النصوصُ على رؤيةِ اللهِ في الآخِرة، ولم يَختلِفِ الصحابةُ والتابِعُونَ ولا معروفٌ بعلمٍ مِن أَتْباعِهم في ذلك:
قال تعالى: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ (22) إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} [القيامة: 22 - 23] ؛ أي: تنظُرُ إلى ربِّها بعينَيْ رَأْسِها؛ وهذا ما قرَّره السلَفُ في تأويلِها.
وقد سأَلَ أَشْهَبُ مالكَ بنَ أنسٍ عنها؟ فقال:"أَيَنظُرُونَ إلى اللهِ؟ قال: نَعَمْ؛ بأَعْيُنِهم هاتَيْن، قال أَشْهَبُ: فإنَّ قَوْمًا يقولونَ: ناظِرةٌ، بمعنى: منتظِرةٌ إلى الثوابِ، قال: كذَبُوا، بل تنظُرُ إلى اللهِ؛ أَمَا سَمِعْتَ قولَ موسى: {رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ} [الأعراف: 143] ؛ أَتُرَاهُ سَأَلَ مُحَالًا؟ ! ... وقال تعالى: {كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ} [المطففين: 15] " (1) .
فإذا كان هناك محجوبونَ، فهناك ناظِرون؛ وهذا لازِمُ القول، وقد استدَلَّ بهذه الآيةِ على الرؤيةِ: مالكٌ (2) ، والشافِعِيُّ (3) ، وجماعةٌ مِن أهلِ العربيَّةِ؛ كثَعْلَبٍ (4) ، وغيرِه (5) .
وقد جاء اللقاءُ بالله يومَ القيامةِ في مواضِعَ مِن الوحيِ؛ ومِن ذلك قولُهُ تعالى: {تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلَامٌ} [الأحزاب: 44] ولازِمُ اللقاءِ: الرؤيةُ عندَ العرَب (6) ، وحُكِيَ الإجماعُ على ذلك؛ كما حكاهُ ثَعْلَبٌ (7) .
وقد كان سُحْنُونٌ يلقِّنُ ابنَ القَصَّارِ في مرَضِ موتِهِ:"أنَّ اللهَ يُرَى يومَ القيامةِ" (8) ، وكان أبو العَبَّاسِ بنُ طالبٍ يَستفتِحُ خُطْبةَ الجُمُعةِ على
(1) "شرح أصول الاعتقاد" (871) ، و"ترتيب المدارك" (2/ 43) .
(2) "شرح أصول الاعتقاد" (808) .
(3) "شرح أصول الاعتقاد" (809) .
(4) "ياقوتة الصراط" (ص 561) .
(5) "تأويل مختلف الحديث" (ص 300 - 301) ، و"الرد على الجهمية"للدارمي (166 و 167) .
(6) "الشريعة"للآجري (2/ 981) .
(7) "الإبانة"لابن بطة (7/ 62) .
(8) "رياض النفوس" (1/ 367 - 368) ، وقد سبق.