فهرس الكتاب
الصفحة 26 من 208

وها هي بلاد المسلمين أثقلتها قيود الطواغيت وسلاسلهم وظلماتهم، في ظل هذه القوانين، وحل فيها كل فساد ودخلها كل إلحاد، وعرض للناس بسبب هذه القوانين ومفاسدها فساد في فطرهم وظلمة في قلوبهم وكدر في أفهامهم ومحق في عقولهم وعمّتهم وغلبت عليهم فتنها حتى ربا فيها الصغير وهرم عليها الكبير.

فلم يعد يراها أكثر الناس منكراً، بل أمست عندهم البدع في ظلها مقام السنن، والهوى مقام الرشد، والضلال مقام الهدى، والمنكر مقام المعروف، والجهل مقام العلم، والرياء مقام الإخلاص، والباطل مقام الحق، والكذب مقام الصدق، والمداهنة مقام النصيحة وقول الحق، والربا مقام البيع، والظلم مقام العدل، والفجور مقام العفاف.

فصارت الدولة والغلبة لهذه الأمور، وأهلها هم المشار إليهم، وكانت قبل ذلك لأضدادها وأهلها هم المشار إليهم، وأصبح بطن الأرض - والله - خيراً من ظهرها، وقمم الجبال خير من السهول ومخالطة الوحش أسلم من مخالطة الناس، اقشعرت الأرض وأظلمت السماء وظهر الفساد في البر والبحر من ظلم الفجرة، وذهبت البركات وقلّت الخيرات وتكدرت الحياة من فسق الظلمة، وبكى ضوء النهار وظلمة الليل من الأعمال الخبيثة والأفعال الفظيعة وكثرة الفواحش وغلبة المنكرات والقبائح.

وهذا والله منذر بسيل عذاب قد انعقد غمامه، ومؤذن بليل بلاد قد ادْلَهَمَّ ظلامه [22] ؛ ما لم يقم دعاة الحق والمصلحون بالصدع بالحق وبيانه، وما لم يقم جند التوحيد بتغيير ذلك المنكر العظيم، وإنقاذ الناس من عبودية الطواغيت وقوانينهم، وإخراجهم من الظلمات إلى النور، وإلا فإن العقبة والله كؤود.

{وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ} [الشعراء: 227] .

فانظر إلى القرآن معزولاً لديهم عن نفوذ ولاية السلطان

وانظر إلى قول الرسول كذاك معزولاً لديهم ليس ذا سلطان

والله ما عزلوه تعظيماً له أيظن ذلك قطّ ذو عرفان؟!

يا ليتهم إذ يحكمون بعزله لم يرفعوا رايات جنكزخان

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام