ومن أشهرها؛ مكوث النبي صلى الله عليه وسلم ثلاث عشرة سنة في مكة بين الأصنام، ولا يخفى فساد احتجاجهم هذا وبطلانه لكل من كان لديه أدنى بصيرة في دينه ودعوة نبيه صلى الله عليه وسلم، وذلك أنهم يلجون بحجتهم هذه في كثير من الموبقات التي هي في أعينهم أدق من الشعر - كالإنضمام إلى جيش عبيد الياسق وشرطتهم ومجالسهم الشركية التشريعية ... وما إلى ذلك مما قدمناه وفصلناه من الوظائف الشركية أو الأعمال المحرمة -
هذه حجج والله واهية ما أنزل الله بالإشراك سلطانا
والسؤال الذي يفرض نفسه عليهم بإلحاح؛ هو ما وجه الدلالة في تلك الفترة المكية على هذا الباطل كله؟
هل مدح النبي صلى الله عليه وسلم في تلك الفترة تلكم الأصنام أو أقسم على احترامها والإخلاص لها، والولاء لعبيدها؟! هل فعل صلى الله عليه وسلم شيئاً من ذلك - كما تفعلون - ليكون استدلالكم بمكوثه بينها وجيها؟!
أم أصل دعوته كلها كان قائماً على الكفر بتلك الأصنام وتسفيهها وبيان زيفها والبراءة منها علانية - الذي هو الشطر الأول من"لا إِلَهَ إِلاّ الله"- بل والبراءة ممن أصرّ على عبادتها وسدانتها، وإعلان ذلك وبيانه وإظهاره رغم استضعافه واستضعاف أتباعه صلى الله عليه وسلم؟
نترك الجواب لأصحاب الاحتجاج.
وربما احتج بعضهم بغير هذه الحجة من حوادث الأعيان، التي لا يجوز أن يخدش بها هذا الأصل الأصيل من أصول الدين، خاصة عند من فقه ملّة إبراهيم ودعوة الأنبياء والمرسلين التي قوام عمودها وقطب رحاها توحيد الله تَعَالى وموالاة أوليائه والبراءة من الشرك والمشركين.
فهل يُضحي بهذا الأصل الأصيل الذي هو معنى"لا إِلَهَ إِلاّ الله"في سبيل تلك المصالح الجزئية المزعومة؟ لا يقول بذلك إلاّ جاهل زائغ ضال.
وتفاصيل ذلك تطول، وإنما نريد هنا الاختصار.