فهرس الكتاب
الصفحة 194 من 208

هذا وقد فرق أهل العلم في كلامهم كثيراً بين الإكراه الحقيقي - الذي قدّمنا لك بعض شروطه - وبين الخوف المجرد.

فها هو إمام أهل السنة والجماعة رحمه الله تَعَالى بعد المحنة، لما دخل عليه يحيى بن معين محتجاً بالإكراه، وتلا عليه: {إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ} ، فقلب أحمد وجهه إلى الجهة الأخرى، فما زال ابن معين يعتذر ويقول: (حديث عمار بن ياسر) ، فلما خرج من عنده، قال أحمد: (يحتج بحديث عمّار، وحديث عمّار يقول؛ مررت بهم وهم يسبونك، نهيتهم فضربوني، وأنتم قيل؛"نريد أن نضربكم") ، فقال يحيى: (والله ما رأيت تحت أديم السماء أفقه في دين الله منك) [143] اهـ.

ولشيخ الإسلام كلام مثل هذا ونقولات عن الإمام أحمد حوله، نقل بعضها العلامة ابن عتيق في كتابه"بيل النجاة والفكاك من موالاة المرتدين وأهل الإشراك"، تأمل كلامهم في هذا [ص: 62، وما بعدها] فإنه مهم.

وكذا الشيخ سليمان بن عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب في رسالته"حكم موالاة أهل الإشراك"، فقد أفاض في الكلام فيه، وكلام جده الإمام محمد بن عبد الوهاب في كتبه، في التفريق بين الإكراه الحقيقي والخوف المجرد أكثر وأكثر، خذ على سبيل المثال أشهر متونه التي يحفظها الصبيان، وهي رسالة"نواقض اّلإسلام"، فقد قال بعدما عدد النواقض: (ولا فرق في جميع هذه النواقض بين الهازل والجاد والخائف إلا المكره) ، فتأمل التفريق فإنه مهم.

أضف إلى هذا أن أهل العلم يذكرون دائماً في أبواب الإكراه؛ أن الأخذ بالعزيمة والثبات على دين الله خير وأبقى، ومواقف السلف من الصحابة، وسير الأئمة وأخبارهم أشهر وأكثر من أن يحصرها هذا المقام الضيق، وانظر على سبيل المثال صحيح البخاري بَاب؛"مَنِ اخْتَارَ الضَّرْبَ وَالْقَتْلَ وَالْهَوَانَ عَلَى الْكُفْرِ".

ويقول الحافظ ابن كثير: (والأفضل أن يثبت المسلم على دينه ولو أفضى إلى قتله) اهـ.

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام