فهرس الكتاب
الصفحة 193 من 208

ثم قال [ص: 124، من الكتاب نفسه] ، بعدما ذكر بعض مواقف الثبات لأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: (فهذه حال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وما لقوا من المشركين من شدة الأذى، فأين هذا من حال هؤلاء المفتونين الذين سارعوا إلى الباطل وأوضعوا فيه وأقبلوا وأدبروا وتوددوا وداهنوا وركنوا وعظّموا ومدحوا؟ فكان أشبه بما قال الله تعالى: {وَلَوْ دُخِلَتْ عَلَيْهِمْ مِنْ أَقْطَارِهَا ثُمَّ سُئِلُوا الْفِتْنَةَ لآتَوْهَا وَمَا تَلَبَّثُوا بِهَا إِلاَّ يَسِيرًا} [الأحزاب: 14] ، نسأل الله الثبات على الإسلام) انتهى كلامه رحمه الله تعالى، وكأنه يتكلم في زماننا.

ولعل قائلاً ممن لا يشعرون بمصاب الإسلام وما حل به من فتن وضلالات القوانين وعبيدها، يقول: قد هوّلت الأمر!

فأقول: بل الأمر والله أهول وأكبر مما حسبتم وأعظم مما سمعتم، {وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ} ، ومن عرف قدر التوحيد وعظمته عند الله تعالى، وخطر الشرك وعظم مفسدته وكثرة أبوابه وذرائعه وكثرة المتساقطين الهالكين فيه في زماننا هذا، وكان في قلبه حياة وغيرة وغضب لله ولحرماته وشرعه؛ عرف خطورة وعظم المصيبة التي حلت وتحل في الإسلام والمسلمين، ولكن أكثر من ترى - والعياذ بالله - قد ماتت قلوبهم وأشرِبت هذا الباطل واعتادته واستمرأته فاستهونته واستصغرته، وأصبح عند كثير منهم كذباب وقف على أنفه فقال له بيده هكذا، فغالب من نراهم اليوم يحتجون بالضرورات والإكراه، لم يُحبسوا ولم يوثقوا ولم يضربوا ولم يعذبوا ولا نالهم عشر معشار ما نال عمّار رضي الله عنه، وتراهم مع هذا مهطعين إلى كل هاوية وطامة مما يهدم أصول الدين ويقوضها، ظانين أن مجرد الخوف على فوات بعض قشور الدنيا ومتاعها من وظيفة أو منصب أو سكن أو وطن يبيح لهم نحر التوحيد وذبح العقيدة.

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام