ومعلوم أن الإكراه على إظهار الكفر أو موالاة الكفار أو التحاكم إلى الطاغوت؛ ليس كالإكراه على سائر المعاصي، وأن عماراً رضي الله عنه الذي أنزلت بسببه آيات الإكراه - والذي يحتج كثير من المتهاونين دوماً بفعله - لم يقل رضي الله عنه ما قال، إلاّ بعدما ذاق من أصناف الضرب والعذاب، وأوذي في الله أذى شديداً، فكسرت ضلوعه وقتل أبواه وغير ذلك مما يجب على المحتج بقصته أن يتذكره ويستحضره - إن كان منصفاً -
ورحم الله الشيخ عبد الرحمن بن حسن بن الشيخ محمد بن عبد الوهاب، إذ يخاطب بعض أهل زمانه، فيقول:(رضي الله عن عمار تبرأ من المشركين وسبهم وسب دينهم ومعبوداتهم، فلذلك تصدوا له ولأهله بالعداوة الشديدة، وما ثم قرية ولا قبيلة على الإسلام، فجعلوا يضربونه أشد الضرب ويعذبونه أشد العذاب وحبسوه في بئر ميمون، وقتلوا أباه وأمه، وكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا مر بهم يقول:"صبراً آل ياسر فإن موعدكم الجنة" [141] ، ومع هذا وغيره لم يقع منه إلاّ القول دون الفعل، وأنتم سارعتم بلا إكراه وقلتم وفعلتم تقرباً إليهم واختياراً، من غير أن يكون منهم طلب لما فعلتموه، فما طلبوا منكم ذلك ولا امتنعتم، ولا أكرهتم عليه، فأين أنتم من عمّار؟! فهو وأنتم في طرفي نقيض، شعرا؛
سارت مشرقة وسرت مغرباً شتان بين مشرق ومغرب) [142] اهـ