وقال النبي صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه:"ولا يحملنكم الشيطان باستبطاء الرزق أن تطلبوه بمعاصي الله" [137] .
ولما نهى الله سبحانه عن حمل المشركين إلى بيته، وعلم من خلقه الاعتذار بالحاجة قال: {وإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمْ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ إِنْ شَاءَ} ، فلم يعذر بالفقر والحاجة إلى ما في أيديهم وأخبر أنه الرزاق ذو القوة المتين) [138] اهـ.
ويقول الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن: (وقد عُرف من آية سورة براءة [139] ؛ أن قصد أحد الأغراض الدنيوية ليس بعذر شرعي، بل فاعله فاسق لا يهديه الله - كما هو نص الآية - والفسوق - إذا أطلق ولم يقترن بغيره - فأمره شديد ووعيده أشد وعيد، وأي خير يبقى مع مشاهدة تلك المنكرات والسكوت عليها وإظهار الطاعة والانقياد لأوامر من هذا دينه وتلك نحلته والتقرب إليهم بالبشاشة ... ) [140] اهـ.
وفوق العباد رب يعلم سبحانه خفايا نفوسهم وما يعلنون، ويعلم الصادق من الكاذب والمكره الحقيقي من غيره.
وقد تكلم العلماء في الإكراه، وحدوا له حدوداً؛ يجهلها أو يتجاهلها كثير من المتهاونين المحتجين بالإكراه في زماننا، ذكر الحافظ بعضها في"الفتح".
من ذلك:
أن يكون المكرِه - بكسر الراء - قادراً على إيقاع ما يهدد به، والمكرَه - بالفتح - عاجزاً عن الدفع أو الفرار.
أن يكون ما هدد به فورياً، أو يغلب على ظنه ويترجح عنده أنه إذا امتنع؛ أوقع به ذلك.
أن لا يظهر من المأمور ما يدل على تماديه، كأن يعمل زيادة على ما يمكن أن يزول البلاء به عنه.
ومعلوم أن الضرورات تقدر بقدرها، وأن الميسور لا يسقط بالمعسور، وكل إنسان أخبر وأعرف بنفسه، وصدق ضرورته من زورها، تماماً كمعرفته بنجاسته وطهارته، وكفى بنفسه اليوم عليه حسيباً وبربك عليك رقيباً.